الحرب المقبلة يجب منعها لا تخليدها
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الحرب المقبلة التي سيكون في مركزها تحدي مواجهة مع ترسانة الصواريخ التي تحيط بإسرائيل، كانت موضوع ثلاثة مقالات صدرت في "هآرتس" (14/2). وصف يانيف كوفوفيتس "تنوفا"، خطة تعاظم قوة الجيش الإسرائيلي خلال الفترة 2020-2024، كما عُرضت في وسائل الإعلام. الخطة هدفها إيجاد جيش إسرائيلي جديد، في مركزه "القوة الفتاكة" التي ستقصر جولات القتال المقبلة، بما فيها ضد إيران. ليس من الواضح أي جيش إسرائيلي سنحصل عليه من خطة "تنوفا"، لكن من الواضح أنها ستكلف مالاً كثيراً، أي المزيد من الضرائب، المزيد من التقليصات، وميزانيات أقل من أجل الصحة والتعليم.
- عاموس هرئيل أوضح أن لتقديم الخطة دلالة مركزية: بخلاف تحذيرات رئيس الحكومة، في تقدير الجيش الإسرائيلي لا توجد حرب جديدة مطروحة على جدول الأعمال، لذلك نشأت "نافذة فرص" لزيادة قوته على حساب الاستعداد لحرب في المدى الزمني المباشر. مع ذلك، فإن "نافذة الفرص" ليست محصنة حيال إمكان نشوب حرب كبيرة جرّاء عملية تصعيد لا يرغب فيها الطرفان. من أجل فهم مسار كهذا، يجب العودة إلى الدينامية التي كانت موجودة بين إسرائيل وسورية في السنوات التي سبقت حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967]. لم يكن أحد يريد حرباً كبيرة، ومع ذلك نشبت.
- مقال اللواء (في الاحتياط) يتسحاق بريك والبروفسور أفشالوم إليتسور وصف الحرب المقبلة بألوان قاتمة. ليس فقط بسبب قوة تهديد آلاف الصواريخ التي تحمل رؤوساً متفجرة وقادرة تقريباً على إصابة كل نقطة في البلد، بل أيضاً لأن ردود إسرائيل، بحسب قولهما، هو "القليل جداً من الدفاع، وعند ساعة الاختبار- ببساطة لا شيء". في تقديرهما، ستؤدي الحرب إلى شل الدولة، وإلى هروب جماعي من منطقة إلى أُخرى، ومن البلد إلى الخارج، وقبل كل شيء إلى وقوع قتلى بأعداد كبيرة . الحل التكنولوجي الذي يقترحانه هو منظومة "حماية السماء" (Sky Guard) اعتماداً على ليزر كيميائي قوي للغاية، قادر على اعتراض الصواريخ بسرعة وبتكلفة رخيصة.
- الرد الذي يقدمه الجيش على التهديد هو تضافر الاستخبارات مع قوة هجومية من الجو ومناورة برية في لبنان، من أجل احتلال المنطقة التي تُطلَق منها الصواريخ. ظاهرياً، يبدو هذا جيداً، لكن ثمة شك في نجاحه. إذا كانت الاستخبارات احتاجت إلى سنوات للعثور على أنفاق ضخمة في الشمال، فمن المعقول الافتراض أن قدرتها على العثور على مواقع أنفاق أصغر في عمق أرض لبنان خُزنت فيها الصواريخ ، محدودة أكثر. يملك سلاح الجو قدرات مذهلة، لكن يوجد فارق بين تدمير 44 منصة إطلاق صواريخ في إطار عملية "ثقل نوعي" في بداية حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، وبين تدمير 15 ألف صاروخ أو أكثر، تستطيع إصابة غوش دان. خطة "تنوفا" قد تقصّر مدة الحرب المقبلة، لكن قوات البر ستحتاج إلى وقت ليس قليلاً لاحتلال المناطق التي تطلَق منها الصواريخ. وإلى أن تنجز المهمة، فإن خنادق الصواريخ ستكون قد أصبحت خالية.
- كذلك الأمر فيما يتعلق بمنظومة الليزر. الرد جيد، لكن بشرط أن تكون الأجواء صافية عندما تنشب الحرب، وليس هناك تسرب لمواد خطرة، ومع توفر عدد من الشروط، على ما يبدو قد لا تتوفر في الحرب المقبلة. ومثل المنظومات الدفاعية الموجودة ("القبة الحديدية" و"مقلاع داود" وغيرهما)، أيضاً هذه المنظومة جيدة لاعتراض صواريخ مفردة، وليس عشرات أو مئات القذائف والصواريخ، كما هو متوقع في الحرب المقبلة.
- في ظل عدم وجود رد تكنولوجي- عسكري فعال ضد تهديد الصواريخ، لا مفر من الاستنتاج أنه يوجد بيننا وبين أعدائنا حالة "توازن رعب". أصل هذا المصطلح هو في الحرب الباردة، وهو يصف التعادل في القوة بين الطرفين، ولكل طرف القدرة على تدمير الآخر بواسطة سلاح نووي، لكن لا يقدر على منع أن يتم تدميره هو أيضاً. حالياً أيضاً تستطيع إيران وحلفاؤها إلحاق ضرر بإسرائيل يمكن أن يكون "غير محتمل"، وهذه القدرة يمكن أن تزداد. من جهتها، تملك إسرائيل ما يكفي من القوة القادرة على الرد، وعلى إعادة إيران وحلفائها أيضاً إلى العصر الحجري.
- هذا الو ضع يفرض على واضعي سياسة الأمن القومي في إسرائيل طريقة تفكير لم نعرفها في الماضي: ليس التفكير في كيف ننتصر في الحرب المقبلة- لأن هذا الانتصار سيكون باهظ الثمن- بل كيف نمنع الحرب المقبلة. هنا الردود معقدة ومؤلفة من استخدام "عصا" رادعة غليظة إلى جانب تقديم "جزرات" سياسية، هدفها التخفيف من حدة النزاع. ماذا ستتضمن "العصا" وكيف ستوضح التهديد، وماذا ستكون "الجزرات" وأي منها ستكون فعالة- هذه أسئلة مهمة. لكن لا شك في أن الوقت حان لمناقشتها بهدوء، لأن الحلول التكنو-عسكرية التي يقترحها الجيش الإسرائيلي وخبراء خارجيون هي أيضاً غالية جداً، وفي الأساس لا تقدم رداً حقيقياً على التهديد.