"صفقة القرن" كخطة ما بعد – حداثية
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.

– نظرة، العدد 1446
  • بالمقارنة مع الحماسة العالمية للسلام التي وُلد فيها اتفاق أوسلو، وُلدت "صفقة القرن" لإنهاء النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني في واقع عالمي متضعضع. في الدول الأوروبية وأيضاً في الولايات المتحدة، يواجه النظامان الاجتماعي والسياسي أزمة، وتساؤلات تلقي ظلالاً من عدم اليقين إزاء التوجهات في المستقبل. وفي غياب القدرة على تحقيق  الاستقرار في أماكن نزاع دامية، من أفغانستان، وصولاً إلى أوكرانيا، وفي غياب الأمل بإعادة إعمار سورية والعراق وليبيا، مَن يستطيع أن يضمن نهاية نزاع واتفاقات سلام، تحديداً في هذه الأرض الصغيرة، الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط؟
  • يثير هذا السؤال شكوكاً، ليس فقط بالنسبة إلى الفرضيات التي هي في أساس خطة القرن، بل أيضاً بالنسبة إلى البنية الفكرية التي تتجلى في مجمل النقاش للخطة. على الرغم من واقع عالمي متغير متجذر في ظواهر القرن الحادي والعشرين، فإن منظومة المفاهيم لوصف الواقع والحكم عليه لا تزال بأكملها مأخوذة من منطق وتوقعات مفاهيم القرن الماضي. تظهر الفجوة قبل كل شيء في توقّع التوصل إلى اتفاق متفق عليه، نهائي وثابت لسلام قابل للحياة. في نهاية القرن الماضي، وضمن أجواء الانتشاء بـ"نهاية التاريخ" التي رافقت انهيار الاتحاد السوفياتي، كان لا يزال هناك مجال لتوقعات من هذا النوع. مع عودة روسيا إلى أداء دور قوة عظمى فاعلة، حتى الدول الأوروبية المطمئنة استيقظت من وهم نهاية التاريخ. الخوف من واقع أمني متزعزع ومستقبل غير معروف يسيطر اليوم أيضاً على الدول الأكثر استقراراً. ومع ذلك، يواصل رسل السلام الاعتقاد والتبشير بأنه إذا فكرنا بصورة إيجابية، سيصبح الواقع إيجابياً أيضاً. وإذا لم يحدث ذلك، فإننا على ما يبدو لم نكن نرغب فيه فعلاً.
  • أيضاً الخطاب الإسرائيلي في مناقشة الخطة يعكس أنماط تفكير ثابتة مستمدة من مفاهيم القرن الماضي. على سبيل المثال، في قضية الدولة الفلسطينية: يجد اليمين صعوبة في التعهد بالاعتراف بدولة فلسطينية، ويدّعي اليسار أن الخطة "لا تقترح على الفلسطينيين دولة بحسب أي تعريف عقلاني". لكن في القرن الحادي والعشرين التغير الذي حدث في تعريف العائلة يجري أيضاً في الدولة. مَن يقول لأم غير متزوجة أنه لا ينطبق عليها وعلى أولادها التعريف الاجتماعي للعائلة؟ ينطبق هذا أيضاً على الدول كظاهرة أكثر تعقيداً من العائلة بكثير: في العصر الحديث، هناك أكثر من طريقة نموذجية للوجود كدولة. وهنا يكمن جوهر الخطأ: نفكر بطريقة حديثة في واقع تحوّل إلى حد كبير منذ زمن إلى واقع ما بعد حداثي.
  • أولئك الذين ينظرون إلى خطة ترامب كصيغة عمل يحتاجون إلى تعديل تفكيرهم بصورة تتلاءم مع عصر جديد أكثر تعقيداً ودقة. خطة الرئيس ترامب مهمة جداً، لأنها تُبشر بتوجه جديد. ويجب أن ننظر إليها على أنها قوة دفع جديدة نحو تحقيق اختراق، وليس على أنها اختراق بحد ذاتها. يتعامل الخطاب الذي لا يزال عالقاً بمفاهيم القرن الماضي بالخطة المؤلفة من 180 صفحة على أنها خطة عمل تفصيلية لإدارة خط إنتاج. بيْد أن بروز ظاهرة معقدة عند الانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التطبيق أمر لا يمكن التحكم فيه بصورة كاملة. هذا ما يعرفه أي رجل أعمال. لا يمكن تحويل متجر صغير إلى سلسلة تجارية واسعة من خلال التقيد الحرفي بخطة العمل.
  • من المثير معرفة أنه منذ أواسط القرن الماضي، خلال الخلاف على خطة التقسيم، فكّر ديفيد بن غوريون وعمل بروحية دينامية هذه الخطة. فقد أوضح مثلاً : "دولة يهودية على جزء من البلد ليست النهاية بل البداية". قيام الدولة "سيكون رافعة قوية لجهودنا التاريخية لاسترجاع كامل الأرض".
  • إن المفتاح لتحقيق حكيم وبنّاء لخطة ترامب يكمن في الفارق الأساسي بين تفكير حديث وآلي ومغلق من جهة، و بين تفكير منفتح على حقائق جديدة من جهة أُخرى. وبينما التفكير الحديث لم يتخل عن الاعتقاد أن لكل مشكلة يوجد حل، فإن التفكير المعقد يعترف بوجود مشكلات غير قابلة للحل بصورة أساسية. يمكن البحث عن حلول موقتةـ ما دامت لا تتطلب التخلي عن رؤيا خالدة.

لا يمكن التفاوض على أحلام قومية ودينية، وهذا ينطبق على الفلسطينيين وعلى الإسرائيليين.

 

المزيد ضمن العدد 3255