نتنياهو يريد صفقة من موقعه كرئيس للحكومة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بنيامين نتيناهو يسعى لصفقة. لذلك هو بحاجة إلى "بضعة أشهر" لإجراء مفاوضات من موقع رئيس حكومة. هذا هو الرصيد السائل الوحيد لديه ليبيعه، وهذه ضماناته، وهذا هو طوق نجاته.
- هو يعلم ذلك، ويريده. هو يعلم حقيقة عدم وجود خيار آخر، عائلته وأوساطه فهما أنه لا يوجد خيار آخر معقول. الاعتبارات الحاسمة ليست سياسية، وهي بالتأكيد لا علاقة لها بأخلاق المهنة أو بالأخلاق. هي قانونية، وفي الأساس مالية.
- مرحلة الإنكار والتحدي انتهت. انتهت الغمغمة التي لا نهاية لها "لن يحدث شيء، لأنه ليس هناك شيء"، والتباهي المتعجرف "انتظروا لتروا". انتظرنا، رأينا.
- لقد وُجهت ضد نتنياهو ثلاث لوائح اتهام خطيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن قضية الغواصات (ملف 3000) بكل بنودها وأحكامها لم تُستنفد بعد، وإمكان ضررها من ناحيته كبير. منذ لحظة إعلان المستشار القانوني أفيحاي مندلبليت قراره تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، لم تعد اللعبة سياسية وإعلامية، بل تحولت إلى سباق على صفقة.
- على ما يبدو، سيواصل نتنياهو تقمّص دور الضحية الدائمة في نظره، وسيواصل التصرف بهذه الطريقة. درايفوس [الضابط الفرنسي اليهودي الذي اتُهم زوراً بالخيانة] مع منشطات. سيواصل الاعتقاد أن جريمة تاريخية ارتُكبت هنا، محاولة لإسقاط رئيس الحكومة، انقلاب واضح على الحكم قامت به النخب ضده. اليسار الخائن، النيابات العامة الفاسدة، وسائل الإعلام، رئيس الدولة، شهود دولة مشكوك فيهم، المفوض العام للشرطة، المستشار القانوني للحكومة، رؤساء الموساد والشاباك السابقين، باراك أوباما، جورج سوروس- من لا.
- هذا لا يغير حقيقة أنه يتوجه إلى صفقة. ليس لديه إمكان آخر. ربما هذا لن ينجح، لكن لا شك في أنه يسعى إلى ذلك.
- المؤشر إلى وضعه المتداعي لم يحصل عليه من القائمة الآخذة في الامتداد المكوّنة من رؤساء الليكود وكبار قادته الذين ينقلون تأييدهم إلى جدعون ساعر، بل تحديداً من الساحة التي كان يخيّل إليه أنه يتفوق فيها: رئيس الولايات المتحدة ترامب يتجاهله، بوتين يتركه ينتظر 3 ساعات حتى يلتقي به، بوريس جونسون وإيمانويل ماكرون لا يجدان وقتاً للاجتماع به في قمة حلف شمال الأطلسي التي حاول حضورها من دون دعوة.
- حسابه بسيط جداً: الذهاب إلى محاكمة "دولة إسرائيل ضد بنيامين بن تسيلاوبن تسيون نتنياهو" وليس "رئيس الحكومة نتنياهو"، معناه أربعة - خمسة أعوام من نقاشات قانونية. نتنياهو الذي احتفل بعيد ميلاده الـ70 في تشرين الأول/أكتوبر، سيبلغ الـ75 أو أكثر إذا برأته المحكمة، وربما الـ78-80، إذا جُرِّم وحُكم عليه بالسجن. ستصل تكلفة دفاعه إلى 5-10 مليون دولار، مع افتراض معقول أن طاقم الدفاع في المحاكمة سيكون كبيراً ورفيع المستوى وغالياً أكثر من الطواقم التي رافقته حتى الآن. هل يخطر في بال أحد أن نتنياهو وعائلته يمكن أن يسمحوا لأنفسهم بمثل هذه المخاطرة الكبيرة وغير المحسوبة؟ هل يخطر في بال أحد أن مَن طلب تقسيط دفع غرامات مالية قيمتها 50 ألف دولار، سيدفع 5-10 مليون دولار؟
- جمع الأموال من أجل تمويل دفاعه هو تقريباً مستحيل، لكن الاتفاق على صفقة، مع كل إزعاجاتها، سيسمح لنتيناهو بثلاثة أمور: أولاً، تجنُّب الإحراج في الانتخابات التمهيدية في الليكود، وتجنُّب إحراج أكبر كثيراً في الانتخابات التي ستجري في شباط/فبراير –آذار /مارس. استطلاعات الرأي التي يطّلع عليها نتنياهو بشأن الانتخابات التمهيدية في الليكود والانتخابات العامة في مواجهة بني غانتس لا تدعو إلى التفاؤل. ثانياً، سيضطر أكثر فأكثر في المستقبل إلى نشر سردية "انقلاب على السلطة"، ولذلك "لم يكن لدي خيار"، مع اضطراره أيضاً إلى الاعتراف والإعراب عن ندمه.
- ثالثاً، اتفاق على صفقة سيسمح له بأن يهبط بصورة مريحة بعد نصف عام في حضن اليمين الأميركي السياسي والمالي، الذي يعتبره ضحية كترامب، وأن النخب تواطأت عليه بهدف إسقاط رجل بريء. وسيكون في استطاعة نتنياهو إلقاء المحاضرات والجلوس في إدارات شركات ومعاهد أبحاث يملكها اليمين الأميركي الذي اعتبره دائماً واحداً منهم، وأن يربح ملايين الدولارات، ويكتب سيرته الذاتية التي سيشتريها ملايين من الإنجيليين.
- التعليقات السياسية منذ انتخابات نيسان/أبريل، مروراً بانتخابات أيلول/ سبتمبر، بشأن فشله مرتين – فشل نسبي في صناديق الاقتراع، وفشل مطلق في إقامة حكومة- لم تعد مهمة. لقد أمل نتنياهو بأن يجري سنّ تشريع "القانون الفرنسي" الذي يمنع محاكمة رئيس الحكومة في أثناء توليه منصبه. واعتقد أن تأليف حكومة، بعد انتخابات نيسان/أبريل، ومرة أُخرى بعد أيلول/سبتمبر، سيمنحه حصانة من الكنيست. هذا لم يحدث ولن يحدث.
- الجدالات القانونية والأخلاقية بشأن هل هو رئيس حكومة أو عضو كنيست فقط يتولى رئاسة حكومة انتقالية، هي بالتأكيد مهمة لجوهر الديمقراطية في إسرائيل، لكنها تضيّع الموضوع، كذلك النقاشات المتبحّرة بشأن البندين 18 و30 من "قانون أساس: الحكومة". هي مثيرة جداً للاهتمام، لكنها تشغل خبراء في القانون الدستوري ومعلقين سياسيين، وتقدم حلولاً جزئية فقط لإشكال قانوني مستمر منذ نيسان/أبريل. وهي لا تحمل تفسيراً أو توقعاً حكيماً للتوجه الذي يتطلع إليه نتنياهو. هذا التوجه واضح. بنيامين نتنياهو لن يدفع 5 ملايين دولار ويخاطر بالسجن 3-5 سنوات.