تخفيف التوترات بين إيران والسعودية – الاحتمالات والانعكاسات على المنطقة وإسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • تدل مجموعة مؤشرات على جهد يُبذل للتخفيف من التوترات بين إيران والسعودية، اللتين لمّحتا مؤخراً إلى رغبتهما في تحسين الأجواء وتقليل تعابير العداء بينهما، وإلى أنهما تعلقان أهمية على الحوار ومستعدتان لتوضيح الخلافات. وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية عادل الجبير اعترف على حسابه على تويتر بأن السعودية بعثت برسالة إلى إيران عبر "دولة شقيقة"، تشير  إلى أن توجّه السعودية كان نحو الاستقرار الإقليمي والأمني ولا يزال. مسؤول رفيع المستوى في مكتب رئيس الحكومة العراقي عبد الحسناوي، كشف أن السعودية وافقت على أن ينظم رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي لقاء مع إيران كخطوة أولى نحو تخفيف التوترات في المنطقة، ومن المحتمل إذا حدث هذا الاجتماع أن يُعقد في بغداد. كذلك أجرى رئيس حكومة باكستان عمران خان، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، محادثات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تناولت الحاجة إلى تخفيف التوتر في المنطقة، وبعد ذلك مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وزار الدولتين لمواصلة المحادثات. في المقابل، صرّح رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بأن طهران مستعدة للتحاور مع السعودية ودول أُخرى في المنطقة، وادّعى أن الحوار الإيراني السعودي يمكن أن يحل مشكلات أمنية وسياسية كثيرة في المنطقة، ويُفهم من كلامه أن الحوار من المحتمل أن يتناول الحرب المستمرة في اليمن.
  • تدهورت العلاقات بين السعودية وإيران في بداية سنة 2016، بعد قطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على خلفية الهجمات التي تعرضت لها الممثليات السعودية في إيران، والتي حدثت بعد إعدام السعودية الشيخ الشيعي نمر النمر. والتقدير أن ولي العهد محمد بن سلمان لعب دوراً لا بأس به في تصاعد العداء بين الدولتين. وكان هذا الأخير في عدد من المناسبات استخدم لهجة شديدة العداء لإيران لم نعهدها من قبل لدى الحكام الذين سبقوه في المملكة، مثل تشبيهه المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي بهتلر.
  • في خلفية الاتصالات التي ذُكر أنها حدثت مؤخراً بين الدولتين، هناك الهجوم الذي وقع في 14 أيلول/سبتمبر على منشآت النفط المركزية في السعودية، المنسوب إلى إيران، والذي أوقف موقتاً نصف إنتاج النفط السعودي. أثبت الهجوم أيضاً أنه على الرغم من أن إيران غير معنية بحدوث تدهور إقليمي واسع، فإنها مستعدة للمخاطرة أكثر من الماضي، انطلاقاً من التقدير أن الولايات المتحدة والسعودية، على حد سواء، ستمتنعان من الرد لأنهما ليستا معنيتين بالتصعيد. وفعلاً، كان الرد السعودي مدروساً وجاء في الحد الأدنى مقارنة بالضرر الناجم، وامتنعت الرياض، كما في الماضي، عن اتهام إيران مباشرة، وفضّلت التشديد على كون الهجوم يلحق ضرراً بالغاً بأمن سوق الطاقة العالمي، وهذا يتطلب عملية دولية صارمة للدفاع عن منشآت النفط السعودية. الولايات المتحدة ودول أوروبية صرّحت، من جهتها، بأن المعلومات تشير إلى أن إيران وراء الهجوم، لكنها امتنعت من القيام بعملية مباشرة ضدها. الهجوم الإيراني وعدم وجود رد أميركي أثبت للرياض القابلية الكبيرة لتعرّض منشآتها الاستراتيجية للإصابة، وإصرار الرئيس الأميركي على عدم التحرك عسكرياً في مواجهة إيران.
  • بالإضافة إلى ذلك، الحرب المستمرة في اليمن لا تزال تنزف دماً، ولم تنجح السعودية في منع الحوثيين، المدعومين عسكرياً من إيران علناً وسراً، من تحسين موقفهم. الهجوم الإيراني في 14 أيلول/سبتمبر، مثل الهجمات الإيرانية التي سبقته منذ أيار/مايو 2019، أظهر تفوق إيران في الخليج ومدى انكشاف السعودية عدوتها الإقليمية المركزية للإصابة، الأمر الذي زعزع الجبهة العربية في مواجهتها، وأدى إلى تآكل مستوى ثقة دول الخليج العربية بموثوقية الدعامة الأمنية الأميركية.
  • في موازاة ذلك، تمر دولة اتحاد الإمارات العربية، الشريك المركزي للسعودية في حرب اليمن، بعملية انفصال عن القتال في اليمن وتقيم حواراً مع إيران. وذكرت تقارير أن دولة اتحاد الإمارات سمحت باسترجاع 700 مليون دولار من الأموال الإيرانية التي كانت في مصارفها، بالإضافة إلى ذلك، تتخوف السعودية من احتمال بدء مفاوضات بشأن الموضوع النووي بين الولايات المتحدة وإيران، بعد تكرار الرئيس الأميركي التعبير عن رغبته في إجراء حوار مباشر مع الزعامة الإيرانية. تريد السعودية أن تكون جزءاً من الحل وألّا تبقى خارج الصورة.
  • مجموعة هذه الظروف تشكل مؤشراً إلى تغيرات في المحيط الاستراتيجي للسعودية يفرض على زعامتها التفكير في سياسة تتلاءم معها. إمكان البدء بحوار فعلي وتبديد التوتر مع إيران ليس بسيطاً بالنسبة إلى السعودية، لكن يبدو أن الموضوع نوقش بينها وبين جهات دولية مقربة من إيران.
  • مصدر العداوة بين إيران والسعودية خلافات جيو - سياسية ودينية - أيديولوجية جوهرية. وهذا مكوّن بارز في هندسة الشرق الأوسط الراهن. المنافسة على التنافس على النفوذ برز في الأساس في الصراع الدائر في جبهات متعددة، بواسطة حلفاء ووكلاء من جانب الدولتين، ولكنهما متورطتان أيضاً في نزاع مباشر يشمل محاولات متبادلة للتآمر بعدة وسائل. تشعر السعودية بالقلق من تحرك إيران والقوات الموالية لها في اليمن، وخصوصاً على خلفية إعلان دولة اتحاد الإمارات نيتها سحب جزء من قواتها من اليمن، كما تتخوف من إنجازات إيران في ساحتين أُخريين – سورية والعراق. من هنا كان الدافع السعودي لمحاولة التحاور والتحادث مع إيران بهدف التوصل إلى اتفاقات في الأساس بشأن عدة مسائل، بالأساس في هذه الدول. إيران، من جهتها، تواصل اعتبار السعودية خصماً وعنصراً مركزياً في تشجيع السياسات الأميركية المعادية ضدها، وتشعر بالقلق من المعلومات التي تتحدث عن تعاون استخباراتي وعملاني بينها وبين إسرائيل. لذلك تعتبر تسوية العلاقات مع الرياض في طهران أيضاً جزءاً من محاربة العزلة التي تحاول الولايات المتحدة فرضها عليها.
  • من المعقول الافتراض أن تسوية العلاقات بين السعودية وإيران، إذا حدثت فعلاً، لن تكون جوهرية وطويلة الأمد. التراكمات السلبية بين السعودية وإيران عميقة والأسباب الأساسية للعداء لم تختف، لكن الظروف المتغيرة في المنطقة تشكل حافزاً للطرفين لموضعة نفسيهما من جديد والتخفيف على الأقل، جزئياً، من التوتر بينهما. ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة تتدخل في الاتصالات بين الطرفين، ومن المعقول أن السعوديين يشعرون بأنهم أحرار في إجراء هذه الاتصالات في مقابل خيبة أملهم بعدم وجود رد أميركي على مهاجمة منشآت النفط، وأيضاً في مواجهة الضغط في الكونغرس ضد السعودية. من المحتمل أن السعوديين يفضلون أن يفحصوا بحذر الخيارات من دون ارتباط بسياسة الإدارة الأميركية - وخصوصاً في مواجهة الموقف الأميركي إزاء إيران والاهتمام الواضح للإدارة نفسها وللرئيس ترامب شخصياً بالبدء باتصالات مباشرة مع إيران.
  • ومع انه من غير المنتظر العودة إلى علاقات طبيعية كاملة بين السعودية وإيران، يبدو أنه في الظروف الحالية، وعلى خلفية الاستعداد من الجانب السعودي في الأساس، لتبديد التوتر، من المحتمل على الأقل في المدى القريب تهدئة التوتر بين الرياض وطهران. في مقابل ذلك، في المدى البعيد، وإذا لم يتغير مستوى العداء الأساسي بين الدولتين، وخصوصاً إذا قامت إيران بهجوم كبير آخر ضد أهداف سعودية، يزداد احتمال رد سعودي/أميركي ضد إيران - وخصوصاً في ضوء تكثيف وجود القوات الأميركية في السعودية.
  • أي تغيير في العلاقات بين إيران والسعودية له تأثير في إسرائيل. لقد بنت إسرائيل مصلحتها المشتركة مع دول الخليج على مواجهة إيران كقاعدة أساسية للتعاون – مع أنها غير علنية - وكجزء من تحسين العلاقات مع الدول العربية السنية. لكن ندرك أن لإسرائيل وللسعودية مصالح مشتركة أيضاً في مسائل أُخرى، بينها الحرب على داعش، ومعارضة الإخوان المسلمين و"حماس"، وكذلك المحافظة على علاقات خاصة مع الولايات المتحدة. ومعنى هذا أنه حتى لو شاهدنا تقدماً في الاتصالات بين الإيرانيين والسعوديين، فإن هذا سيكون نتيجة مصالح ظرفية وراهنة، وليس تعبيراً عن حل حقيقي للمشكلات الأساسية.
  • على أي حال، يظهر استمرار التغييرات على الأرض في العلاقات بين التحالفات والجبهات في المنطقة وداخلها جرّاء التطورات في موازين القوى. بناء على ذلك، يتعين على إسرائيل متابعة كل ذلك كي لا تُفاجأ، وكي تحافظ على مصالحها الأمنية في مواجهة التطورات الجديدة المحتملة. ويجب على إسرائيل الاستعداد لوضع تكون فيه السعودية ضعيفة - تطور معناه أن عبء محاربة إيران سيقع، في معظمه، عليها. بالإضافة إلى ذلك، استمرار ضعف السعودية الأمني فترة زمنية طويلة يمكن أن يؤدي إلى زيادة استثماراتها في وسائل قتالية متقدمة، وزيادة الحافز لديها للحصول على قدرة نووية عسكرية.