الصواريخ الإيرانية: بين المآرب والبراهين
تاريخ المقال
المصدر
- قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع إن الإيرانيين يسلحون المنطقة بصواريخ دقيقة ستضرب إسرائيل. لكن مثلما جرى مرات عديدة في الفترة الأخيرة، لا يقدم نتنياهو في إطار كلامه براهين على أقواله. الأمر الذي يثير علامات استفهام كثيرة حيال حقائق أُخرى.
- نبدأ من البراهين. تقريباً لا يقدم نتنياهو حججاً تدعم ادعاءاته ضد إيران. يصح هذا بالنسبة إلى مصانع الصواريخ في سورية ولبنان والمواد المتعلقة بالمشروع النووي، وأيضاً بالنسبة إلى الصواريخ الإيرانية في العراق وحالياً في اليمن. لم تُعرض صور لهذه الصواريخ في اليمن، وليس هناك براهين أُخرى. صحيح أن لدى الحوثيين في اليمن صواريخ إيرانية ، لكن ليس مثل تلك التي يبلغ مداها إسرائيل. الغرض من الصواريخ الإيرانية في اليمن، كما رأينا مؤخراً، هو ضرب أهداف في السعودية.
- قال نتنياهو أيضاً إن "إيران تطمح حالياً إلى الحصول على سلاح دقيق لإصابة أي هدف في الشرق الأوسط بدقة تتراوح بين 5-10 أمتار". الإيرانيون، كما يبدو، يريدون الحصول على قدرات كهذه بشدة، لكن ليس لدينا أي دليل على امتلاكهم صواريخ دقيقة يبلغ مداها 2000 كيلومتر أو أكثر. الجميع لديه تطلعات، لكن الطريق لتحقيق الهدف ليس بسيطاً دائماً.
- قال رئيس الحكومة أيضاً إن إيران تريد "تحويل ترسانة 130 ألف صاروخ في لبنان من صواريخ ثابتة إلى سلاح موجّه ودقيق". حتى لو افترضنا أن لدى حزب الله هذه الكميات من صواريخ صالحة للاستعمال (وهناك شك كبير)، من المعروف أن قلّة منها تحولت إلى صواريخ مزودة بأجهزة دقيقة. وتتحدث التقديرات العلنية عن نحو 10 آلاف صاروخ كهذا على الأكثر. وإذا كان هذا صحيحاً فإن العمل على ذلك جرى خلال عشرات السنوات من العمل، بفضل عمليات الإحباط التي قامت بها أجهزة الأمن الإسرائيلية التي بطأت من وتيرة التقدم.
- لنواصل المنطق في ادعاءات نتنياهو المتعددة. إذا أصاب صاروخ إيراني هدفاً في إسرائيل، سيجري التعرف عليه بسرعة من بقاياه (من دون علاقة بالمكان الذي أُطلق منه)، والرد سيكون ضد إيران. أي هجوم بواسطة طائرة إيرانية من دون طيار ستجر رداً إسرائيلياً ضد أهداف في إيران. لا يغيّر شيئاً إذا كان الصاروخ أُطلق من مجموعة تعمل بالواسطة في اليمن، وفي العراق أو في أي مكان آخر في الشرق الأوسط. معادلة التهديد واضحة في طهران والقدس - هجوم أحد الطرفين سيجر رداً مضاداً. في موازاة ذلك، إذا أصاب صاروخ إسرائيلي طهران، حتى لو أُطلق من العراق، الرد سيكون ضد إسرائيل.
- لذلك لا يوجد منطق في الادعاء أن إيران تشحن صواريخ ثقيلة يبلغ مداها 2000 كيلومتر أو أكثر إلى اليمن. ما الفائدة من الانشغال بتعقيدات لوجستية وإيصال مثل هذه الصواريخ إلى اليمن، والاحتفاظ بها هناك على مدار الساعة، وإخفائها عن الاستخبارات الأميركية والأوروبية والإسرائيلية. كل ذلك، من أجل أن يصل الردّ في نهاية الأمر، وفي أي حال، إلى طهران؟ على ما يبدو، لدى إيران مئات الصواريخ القادرة على ضرب إسرائيل مباشرة من أراضيها. إذا قررت إيران إطلاق صلية صواريخ ضد أهداف إسرائيلية، يمكنها القيام بذلك بسهولة من المنشآت تحت الأرض مرة واحدة أو عدة مرات، أو من منصات إطلاق متحركة يمكن وضعها في وسط أحياء سكنية.
- لا شك في أن هدف كلام نتنياهو كان ممارسة مزيد من الضغط على كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية. وذلك في ضوء التخوف العام من أن ترامب لا يرغب في حرب مع إيران، بل يسعى لاتفاق جديد. خطة أقصى الضغوط لم تنجح، وإيران لم تتهاوَ تحت العقوبات. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت تقارير في وسائل إعلام دولية تحدثت عن اتصالات بين السعوديين والفرنسيين والإيرانيين للتوصل إلى اتفاق جديد. في مثل هذا الجو، تهديد الصواريخ الإيرانية في اليمن ضد إسرائيل لا يحتاج إلى براهين أو منطق استراتيجي.