الانتخابات الأخيرة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- منذ عشرات الأعوام يحذّر المعلقون من آثار الخطوات السياسية والاجتماعية التي تحدث في إسرائيل، وفي هذا الإطار هم يعتقدون أن المعركة الانتخابية القريبة هي معركة حاسمة. فعلاً، التحذيرات كانت صحيحة، لكن المستقبل لا ينبلج دفعة واحدة بل مع مرور الزمن. والآن وصل بوضوح. المشروع الصهيوني المستنير لن يستطيع الصمود أربعة أعوام إذا ما استمر المجتمع في السير بالخطوات التي يسير فيها الآن، وربما تكون الانتخابات المقبلة الفرصة الأخيرة لإنقاذه. ستة أخطار أساسية تتمثل فيما يلي:
- الخطر الأول، يتمثل في ضم رسمي للضفة الغربية - احتمال كان يبدو منذ سنة فقط مجرد هذيان، لكنه تحول إلى حقيقة بعد تبنيه من قبل رئيس الحكومة وأحزاب اليمين. في الكنيست تُطرح مختلف الاقتراحات، بدءاً من الضم المحدود وصولاً إلى الضم الكامل - والاثنان خطران؛ فالضم المحدود يمكن أيضاً أن يجر عنفاً فلسطينياً قاسياً، ووقفاً للتعاون الأمني مع السلطة. وسيضطر الجيش الإسرائيلي إلى السيطرة مجدداً على مناطق هي اليوم تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، ويمكن أن تجد إسرائيل نفسها مسؤولة مجدداً عن نحو 2.6 مليون فلسطيني. في غزة أيضاً، سيؤدي ضم الضفة إلى ردات فعل عنيفة، الأمر الذي سيجبر الجيش الإسرائيلي على السيطرة مباشرة على نحو مليوني فلسطيني. في مثل هذه الحالة ستوقف الدول الداعمة مساعدتها للسلطة، وسيقع عبء تمويل مليوني فلسطيني على عاتق إسرائيل. وسيكون بين نهر الأردن والبحر المتوسط أغلبية غير يهودية.
- الخطر الثاني يكمن في الاقتراب السريع من نقطة "اللاعودة"، التي لن تستطيع أي حكومة، حتى لو كانت "يسارية"، منع نشوء دولة ثنائية القومية بعدها. وهناك من يقول إننا سبق أن تخطينا هذه النقطة، ليس بسبب عدم إمكان إجلاء هذا العدد الكبير من المستوطنين - في التسعينيات استوعبت إسرائيل من دون اضطرابات جمهوراً من المهاجرين أكبر بعشرة أضعاف - بل لأن القوة السياسية للمستوطنين ومؤيديهم ستمنع مثل هذا الإجلاء.
- حالياً نحو 40% من السكان في إسرائيل وفي الضفة هم من غير اليهود، وليسوا شركاء في الحلم الصهيوني، وهذا بعد الانفصال عن غزة، الذي لولاه لكان يوجد في إسرائيل وفي المناطق الواقعة تحت سيطرتها أكثرية غير يهودية. وعلى الرغم من وجود أغلبية ساحقة من الشعب تعارض بشدة الدولة الثنائية القومية، فإن جزءاً منها يتصرف مثل النعامة وسيصوت لمصلحة أحزاب تقود نحو الدولة الثنائية القومية.
- الخطر الثالث هو الذي يتهدد الديمقراطية الإسرائيلية بعد أعوام من الفساد المنهجي في المعايير العامة وقيم سيادة القانون. إذ يقف على رأس الحكومة رجل توجَّه ضده لوائح اتهام (وخاضع لجلسة استماع)، ويحاول السيطرة على وسائل الإعلام، ومن خلالها السيطرة على مفاتيح أساسية في مجالات ما يفرضه القانون. لقد أُدينت زوجته بجرائم جنائية، ويواجه وزراء في حكومته جلسات استماع ولوائح اتهام، ويتصرف آخرون بالتأكيد بصورة غير لائقة - وجميعهم يزعزعون شرعية تطبيق القانون ومحكمة العدل العليا. لم يعد هناك من يشعر بالخجل.
- الخطر الرابع هو المس بالوحدة الوطنية التي لا تستطيع أن تصمد لوقت طويل في وجه التحريض الذي يؤججه بنيامين نتنياهو ومؤيدوه. رسائل وضيعة الغرض منها تضخيم المارد الطائفي، يجري بثها على الدوام، والكراهية والعنف باتا قاعدة عامة. ونسيج العلاقات الهش بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية هو هدف دائم لضغوطهم المتزايدة، والتي تزداد سموماً أكثر فأكثر.
- الخطر الخامس يتمثل في الخطوات المتزايدة لفرض التدين. مؤخراً بشرونا بأن وزارة التعليم استوعبت هذا العام 477 أستاذاً لتعليم اليهودية، وفقط 7 أساتذة للفيزياء، و8 للكيمياء، و37 للتربية المدنية. ويزداد الفصل بين الجنسين في مناسبات تحظى بتمويل حكومي، ويطبَّق ذلك أيضاً في كليات أكاديمية. في قواعد الجيش الإسرائيلي يُطلب من الجنود إطفاء هواتفهم النقالة يوم السبت. إذ يشكل الجمهور الحريدي، الذي يعتبر أن حاخاميه هم أصحاب الصلاحية العليا لا قوانين الدولة أو القيم الليبرالية، خطراً بارزاً على الديمقراطية، وهذا أيضاً يثقل على الاقتصاد الوطني.
- الخطر السادس هو الخطر الذي يتهدد مكانتنا الدولية. في عهد ترامب المرح يبدو هذا الخطر غامضاً، لكن إسرائيل في رأي المجتمع الدولي تحولت إلى دولة متطرفة، وثمة توجهات لنزع الشرعية تتسلل أيضاً إلى الولايات المتحدة. ويشهد المعسكر الديمقراطي، العمود الفقري التاريخي لإسرائيل، تراجعاً في عدد المؤيدين لإسرائيل، وهذا يشمل أيضاً الجمهور اليهودي. ومؤخراً سمعت دعوات إلى المس بقدس الأقداس، المساعدة الأمنية.
- بناء على ذلك، فإن السؤال ليس عن الانتخابات الأخيرة فحسب، بل أيضاً عمّا إذا كان الأوان قد فات لوضع حد لنهاية إسرائيل المستنيرة والديمقراطية واليهودية. فالاستمرار في الخطوات التي تحدثنا هنا سيدهور إسرائيل بالتأكيد، وسيقود إلى ديمقراطية جزئية، وإلى سلطة كلية القدرة تقريباً، وسيزداد المس بحقوق المواطن، وستصبح الانتخابات شبيهة بتلك التي جرت في تركيا.