خطر فعلي ومباشر
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بينما يضيّع اليسار الوقت وربما الفرصة الأخيرة من أجل وقف تدهور إسرائيل نحو الفوضى، يعلن رئيس حزب اليمين المتشدد الذي عينه نتنياهو وزيراً للتعليم أنه لا يؤيد فقط التشهير الشخصي والنفسي بالمثليين، بل أيضاً يؤيد نظام أبارتهايد علني ضد الفلسطينيين (والعرب؟). منذ وقت طويل لم يشهد الجمهور تناقضاً مرعباً إلى هذا الحد بين الثرثرة والغطرسة العبثية لليسار الذي يوشك على الانقراض، وبين الجنون الديني والأيديولوجي لمجموعة صغيرة من المتطرفين تسيطر على حياتنا كلّنا، وفقط لأن نتنياهو الذي يريد التهرب من القانون يقدم لها مفاتيح الدولة.
- من الصعب أن نقرر ما هو الأسوأ: قلة حياء وجهل رافي بيرتس، الذي لا يتوانى عن القول إن مجموعة كبيرة من المواطنين المتساوين في الحقوق، يجب إعادة تعليمهم من جديد، لأنهم لا يتصرفون وفق القواعد المتعارف عليها؛ أو الشر والجهل اللذان يظهرهما بإعلانه أنه يجب السيطرة نهائياً على الفلسطينيين وعلى أراضيهم، من خلال تطبيق الأبارتهايد وحرمانهم من الحقوق الأساسية للمواطنة.
- في النهاية، فإن هذين الموقفين، إزاء المثليين والفلسطينيين، لا يختلفان كثيراً عن النظرة التمييزية والمهينة لهذه المجموعة المتطرفة اليمينية إزاء النساء أيضاً. الكل يدخل في تلك السياسة الاستعلائية القائمة على فهم نرجسي ومشوه للعالم: نحن المسيطرون، لذا من الواضح أن صورة العالم كما نراها هي الوحيدة الممكنة. ليس هذا لأننا أشرار وجهال وحمقى للغاية، ولأن الـ 250 عاماً الأخيرة، منذ تأسيس الديمقراطيات الحديثة، مرت فوق رأسنا، لأن اليِشفيوت [المدارس الدينية] لم تعلمنا شيئاً، بل لأن الواقع كما يبدو لنا هو الواقع الموضوعي الوحيد. نحن لسنا فقط حاخامين، بل أيضاً طيارين ومبرمجين نتحدث بصورة جيدة ونبتسم بلطف. كيف يمكن ألّا يفهم الآخرون أننا على حق؟ سنحاول أن نعلمهم بصبر. لكن في جميع الأحوال يجب ألّا تخطئوا، نحن المسيطرون، وسنفعل بالتالي كل ما يتطلبه ذلك.
- من الواضح لكل إنسان مُنصف أن هذه المجموعة الخطرة التي تمثل اليوم المجتمع المتدين - الصهيوني، والتي كانت سابقاً عاقلة تماماً، هي مجموعة واهمة وعابرة نجحت في السيطرة على أشخاص منصفين يتطلعون إلى أن يكونوا حقاً إسرائيليين صادقين. لقد حدثت هذه الإصابة كما هو معروف بسبب الحماسة لفكرة أرض إسرائيل الكاملة التي وضعت المجتمع الديني - القومي كله في ورطة قانونية، مشاعرية وعقلية من دون حل. يجب على الجمهور اليميني الديني أن يحاسب نفسه كيف سمح لأقلية حريدية متطرفة بأن تسيطر على حياته وحياة أولاده. في المقابل يجب على الجمهور في الطرف الثاني من الخريطة السياسية أن يحاسب نفسه على الضرر الخطر الذي حدث جرّاء سيطرة اليسار الراديكالي على وعيه السياسي والاجتماعي.
- بيْد أن محاسبة الطرفين لنفسيهما هي الآن أمر ثانوي. الأمر الجوهري والأكثر إلحاحاً هو الحاجة إلى أن نفهم أنه إذا لم يتحرك اليسار فوراً ويوحد حزبيه الصغيرين (أو أحزابه الثلاثة، إذا صمد إيهود باراك) لإنقاذ كل صوت محتمل، فإن النتيجة قد تكون كارثة لم نشهد مثلها. الفاشلون الدائمون في اليسار الذين يؤمنون أنهم هذه المرة أيضاً سيجتازون نسبة الحسم، يمكن أن يتركوا نتنياهو في الحكم. والنتيجة المخيفة ستكون سيطرة الحريديم والكاهانيين على إسرائيل كلها - وسيطرة الأبارتهايد. هل يدركون في اليسار الصهيوني ما الموجود هنا في كفتّي الميزان؟