ورشات ترامب لن تنفع إسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن فرض عقوبات جديدة على إيران انفعالاً شديداً في إسرائيل. ومثل العقوبات السابقة حظيت هذه العقوبات الجديدة أيضاً بصفة "غير مسبوقة"، وتطاولت الأعناق بحب استطلاع وترقب شديد لمشاهدة إيران وهي تركع على الأرض جرّاء هذه العقوبات. وإجمالاً، كان الأسبوع الحالي مثقلاً بالمهرجانات السياسية، ويبدو أن المواطنين مرتبكون لا يعرفون ماذا سيفعلون بهذا الفيض من بشائر الخير التي تتساقط عليهم.
- بعد العقوبات المباركة على إيران، وصل إلى القدس رئيسا مجلسيْ الأمن القومي في كل من الولايات المتحدة وروسيا. وهذه أيضاً احتفالية "غير مسبوقة": إسرائيل والدولتان الأعظم دولياً يبحثون في مستقبل الشرق الأوسط، في مسارات دبلوماسية لحل الأزمات والصراعات، وفي تنسيق المواقف الدولية، وكأن الحديث يجري عن مؤتمر يالطا الذي بحث في تقاسم التأثير في مناطق العالم، تمهيداً لإنهاء الحرب العالمية الثانية. وما إن اجتمع هؤلاء، حتى بدأ في المنامة، عاصمة البحرين، مهرجان آخر "غير مسبوق"، افتتح فيه ممثلون عن مصر والسعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيليون "غير رسميين"، برعاية أميركية، "الورشة الاقتصادية" التي تؤذن ببداية الصيف الذي سيزيل الستار عن "صفقة القرن".
- لا يمكن أن يكون هناك إثبات أكثر قطعية على مكانة إسرائيل الدولية الرائعة، وعلى كفاءة رئيس الحكومة السياسية من هذه المشاهد التي ستغير، من دون شك، وجه الشرق الأوسط المليء بالجروح والندوب. خسارة فقط أن ونستون تشرتشل توفي منذ زمن ولم ينتظر ليرى خليفته من القدس وهو يقود هذه الأوركسترا الدولية والعربية كفنان كبير.
- إنها لحظات تاريخية سامية جداً يجب وقفها وحفظها. ومع ذلك لا مناص من طرح بعض الأسئلة اللطيفة. منها، على سبيل المثال، ما الذي حققته العقوبات على إيران، أكثر مما حققه الاتفاق النووي معها؟ لقد تعهدت إيران بما يلي: عدم تخصيب اليورانيوم بأكثر مما يجيزه الاتفاق؛ عدم إنتاج مياه ثقيلة بأكثر من المسموح به؛ إبادة آلاف أجهزة الطرد المركزي؛ تجميد البرنامج النووي العسكري مدة عشر سنوات على الأقل وإتاحة الرقابة الدولية عليه عشر سنوات أُخرى. حتى الآن نفّذت إيران جميع شروط الاتفاق (وهو ما تقرّه وتؤكده الجهات الاستخباراتية الأميركية والإسرائيلية أيضاً)، وكانت على وشك تحقيق اختراق اقتصادي كان من شأنه جعلها دولة مزدهرة، لكن مع بقاء اقتصادها مرتبطاً بالدول الغربية. ولو أن ترامب كان رئيساً لأميركا لدى توقيع الاتفاق النووي، لما كان ثمة من هو أكثر فخراً به منه، ذلك بأن الصيغة السحرية التي يعتمدها لحل الأزمات الدولية هي: أعطوهم المال، فيأتي كل شيء آخر تلقائياً. لكن باراك أوباما هو الذي وقّع على الاتفاق، للأسف الشديد. ولا غفران له.
- ما أضاع ترامب فرصة تحقيقه مع الإيرانيين، يحاول تحقيقه الآن مع الفلسطينيين. بضع عشرات من المليارات وسينتهي النزاع ويزول. ما الذي لا تفهمونه هنا؟ فالفلسطينيون لا يجدون لهم، في كل الأحوال، أي شريك سياسي لإقامة دولتهم، لا في إسرائيل ولا في الولايات المتحدة. فماذا يضيرهم لو حصلوا على هذه المبالغ من المال إذاً؟ صحيح أن الأمر كله لا يتعدى الخديعة، لأن الأموال لن تصل حقاً والتعهدات المستقبلية أشبه بشموع من دون فتائل، ولأن الفلسطينيين يقولون، أصلاً، إن كان ترامب يرغب في مساعدتنا، فليتكرم أولاً ويحرر أموال الدعم الخاصة بهم التي أمر بتجميدها، وليأمر إسرائيل بالتوقف عن حسم الضرائب من العوائد المستحقة لهم. لكن، كما في الحالة الإيرانية، أو في الإعلانات الدعائية عن القطار الخفيف: العقوبات أولاً، ثم فقط البحبوحة. التاريخ يبدأ الآن، ولا تخبروا ترامب أن ثمة اتفاقاً مع إيران، أو أن خرائط طريق واتفاقيات لا نهائية قد تم توقيعها مع الفلسطينيين. ما كان قبله غير موجود. براءة الاختراع مسجلة باسمه حصرياً، وموضوعها "ورشة البحرين".
- مشكلة إسرائيل هي أن ترامب يستطيع اتخاذ قرار بشن هجوم ضد إيران، ثم يتراجع بعد عشر دقائق ويلغي قراره. يمكنه تنظيم عرض في البحرين، ثم العودة إلى البرنامج التلفزيوني المحبب له. لكن بعد تكنيس مغلفات الحلوى التي تطايرت هذا الأسبوع، ستبقى إسرائيل مع الحرائق في قطاع غزة، ومع سلطة فلسطينية آيلة إلى الانهيار، ومع آلاف الصواريخ لدى حزب الله. وهذه كلها ليست خدعة ولا سراباً أو وهماً.