حزب الله، هل يريد حرباً مع إسرائيل في الوقت الحاضر؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • احتمال نشوب حرب بين حزب الله وإسرائيل نوقش مؤخراً في وسائل الإعلام العربية، وبصورة خاصة في دول الخليج وسورية ولبنان. وذلك في أعقاب كلام منسوب إلى نصر الله نُشر في صحيفة الرأي الكويتية (21 نيسان/أبريل)، التي نقلت أن نصر الله ادّعى في لقاء مغلق عقده مع قادة الحزب إنه يجب الاستعداد للحرب مع إسرائيل في الصيف المقبل. كذّب نصر الله هذا الكلام فور نشره في عدد من المناسبات، وفي المقابل أرسل رسائل ردع موجهة إلى الوعي في إسرائيل، تشدد على قدرة الحزب على ضرب إسرائيل بقوة، مع إشارة إلى خطط لاحتلال الجليل على الرغم من عثور إسرائيل على الأنفاق، وإلى ضعف إسرائيل وخوفها من حرب شاملة، كما برز مؤخراً في سلوكها حيال إطلاق القذائف والصواريخ من قطاع غزة. وضمن هذا الإطار جاء:
  • في الخطاب الذي ألقاه نصرالله في ذكرى مرور 34 عاماً على تأسيس كشافة الإمام المهدي (قناة الميادين، 22 نيسان/أبريل) كذّب تقرير الصحيفة الكويتية، وقال إن إسرائيل لن تبادر إلى شن حرب ضد لبنان لأنها تدرك أن جبهتها الداخلية ليست مستعدة للحرب. وذكّر نصر الله بالصاروخ الذي أُطلق من غزة نحو وسط إسرائيل، قائلاً إنه كشف قابلية تعرُّض إسرائيل للإصابة.
  • في خطاب آخر (قناة المنار 2 أيار/مايو) ألقاه نصر الله في ذكرى وفاة مصطفى بدر الدين الذي اغتيل في سورية قبل 3 سنوات، استبعد فرصة أن تبدأ إسرائيل بحرب، وادّعى أنها تتخوف من الدخول إلى قطاع غزة، والأكيد أنها تتخوف من الدخول إلى الجنوب اللبناني. وهدد بإبادة القوات الإسرائيلية التي ستدخل إلى لبنان، وقال: من المهم أن يسمعوا ذلك. كما لمّح نصر الله إلى قدرة حزب الله على ضرب أهداف استراتيجية في إسرائيل، قائلاً إنه غير معني بالعمل على شن هجوم محتمل على حاويات الأمونيا في حيفا، بل تحديداً بالقوة البرية لحزب الله التي ستمكّنه من احتلال الجليل. وكان ذلك رسالة موجهة إلى إسرائيل بأن تحييد الأنفاق التي حفرها الحزب على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية لن يُلحق الضرر بقدرته ونواياه للسيطرة على أهداف في الجليل.
  • يكشف كلام نصر الله عن وجهة نظره التي مفادها أن الأوضاع الحالية غير مؤاتية بالنسبة إلى الحزب للدفع قدماً بحرب في مواجهة إسرائيل، وأنه معني بردع إسرائيل من جهتها عن القيام بعمليات. وذلك في الأساس بسبب استمرار تدخُّله في الحرب الأهلية المستمرة في سورية منذ خمسة أعوام، وهذا ما أجبره على توجيه اهتمامه وموارده إلى هذه الساحة. لقد كبدت الحرب في سورية حزب الله ثمناً باهظاً - نحو 1800 من مقاتليه قُتلوا، ونحو 8 آلاف جُرحوا، واضطر الحزب إلى التعويض مالياً على عائلات القتلى وتوظيف أموال في معالجة الجرحى. كما لا يريد نصر الله قضم الإنجازات التي حققها حزب الله في الانتخابات التي جرت في أيار/مايو 2018، وفي تـركيبة الحكومة الجديدة، إذ ازدادت أهمية أعضاء الحزب ومعظم الوزراء هم من معسكره. ويملك الحزب حق الڤيتو على قرارات الحكومة، وهو يسيطر على حقائب أساسية كثيرة الموارد. مغامرة عسكرية يمكن أن تعرّض هذه الإنجازات للخطر.
  • في موازاة ذلك، كثرت في الأشهر الأخيرة المؤشرات الدالة على عمق ضائقة حزب الله في عدد من المجالات. قبل كل شيء يجري الحديث عن ضائقة اقتصادية أجبرت الحزب على تقليص الرواتب والتقديمات التي يقدمها لأعضائه. ويجرى الحديث عن تقليص كبير في رواتب مقاتلي الحزب: المقاتلون المتزوجون يحصلون على نصف راتبهم فقط، وغير المتزوجين رواتبهم أقل بكثير. كما قُلّصت رواتب العاملين في قطاع الإعلام في الحزب وفي التعليم والطبابة، وقيل إن عدداً من العاملين في مؤسسات دينية لم يقبضوا رواتبهم منذ عدة أشهر. بالإضافة إلى ذلك، أغلق الحزب بضع مئات من المكاتب لتقليص الارتفاع في الإيجارات، وتوقف عن قبول عاملين جدد. في الوقت عينه، توجّه حزب الله إلى الجمهور الواسع طالباً منه زيادة التبرعات من أجله، ووُزعت في أنحاء الضاحية "صناديق صدقة".
  • الضائقة الاقتصادية ناجمة في الأساس عن ازدياد إنفاق حزب الله بسبب استمرار تدخُّله في الحرب في سورية (على الرغم من تقليص عدد قواته هناك)، والحاجة إلى معالجة الجرحى والاهتمام بعائلات القتلى في مقابل تقلُّص مصادر تمويله. نجم ذلك عن الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان الذي يجعل من الصعب على الحزب استخدام أموال الدولة لتعزيز وضعه وسط السكان (محاولات رئيس الحكومة الحريري في هذه الأيام الدفع قدماً بـ"ميزانية تقشفية" تسمح بتقليص العجز الضخم للدولة والدفع قدماً بالإصلاحات تواجه معارضة داخلية، وحتى الآن لم تنجح)؛ كما هي ناجمة أيضاً عن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على الحزب وخطوات أميركية أُخرى، الغرض منها إحكام الطوق الاقتصادي من حوله، مثل طلب وزارة الخزانة الأميركية مؤخراً تقديم معلومات لها عن المسؤولين في الحزب عن الأمور المالية في مقابل مكافأة مالية.
  • أُضيفت إلى مصاعب الحزب في السنة الأخيرة أيضاً الضائقة الاقتصادية لرعاته، إذ تتعرض إيران لعقوبات اقتصادية شديدة من الولايات المتحدة. وإيران هي المساهمة الأساسية في الميزانية السنوية لحزب الله (بحسب التقديرات، تحوّل إيران إلى حزب الله نحو 700 مليون دولار سنوياً من مجموع ميزانية الحزب التي تبلغ 1.1 مليار دولار). ضائقة إيران تضغط أيضاً على الحزب على الرغم من عدم وجود معلومات عن حجم التقليص في ميزانيته.
  • أيضاً في المجال السياسي، يزداد الضغط على حزب الله، في الأساس في أعقاب انضمام بريطانيا في شباط/فبراير 2019 إلى الدول (الولايات المتحدة، وكندا، وهولندا، وإسرائيل) التي تعتبر الحزب كله (بما فيه جناحه السياسي) تنظيماً إرهابياً. كما أن الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان يخلق ضغطاً أيضاً على الحزب في ضوء تجدد النقاش (الذي ما يزال محصوراً حتى الآن) في موضوع مزارع شبعا وهل تعود إلى لبنان أو سورية، لأن لبنانية المزارع هي حجر الأساس في سردية مقاومة الحزب، القائلة إن الحزب يعمل من أجل تحريرها من إسرائيل. في هذا الإطار، برز موقف الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط الذي ادّعى في مقابلة أجراها معه التلفزيون الروسي (في 24 نيسان/أبريل) أن مزارع شبعا ليست لبنانية. جهات في حزب الله سارعت إلى دحض هذا الادّعاء.
  • تجدر الإشارة إلى أن الرد الضعيف لحزب الله حتى الآن على الضربة القاسية التي تعرّض لها من إسرائيل بعد كشف الأنفاق التي تتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية وتدميرها، في إطار عملية "درع شمالي"، يمكن أن يدل على عدم رغبته في الدخول في مواجهة في المرحلة المقبلة. فقط مؤخراً، في 25 نيسان/أبريل، اعترفت قوات اليونيفيل بثلاثة أنفاق لحزب الله تسللت إلى إسرائيل، وطالبت بتدمير تلك الموجودة في الأراضي اللبنانية، وبذلك منحت العملية الإسرائيلية شرعية.
  • مع ذلك، فإن التحديات التي يواجهها حزب الله لا تمنعه من مواصلة جهوده في التوظيف في زيادة قوته العسكرية، وفي الاستعداد لاحتمال نشوب حرب ضد إسرائيل. لدى الحزب مصادر تمويل متنوعة، ولقد راكم خلال سنوات أرصدة كثيرة ويستطيع أن يستخدمها عند الحاجة من أجل هذا الهدف. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن حزب الله يبدو وكأنه غير معني بالمواجهة مع إسرائيل في المرحلة الحالية، فلا يمكن أن نستبعد نشوبها بمبادرة من حزب الله نفسه خدمة للمصلحة الإيرانية.
  • في ضوء احتمال التدهور نحو مواجهة واسعة ولو أنها تتعارض مع المصالح الحالية للطرفين، يتعين على إسرائيل الاستعداد مسبقاً لاحتمال نشوب معركة عسكرية في الشمال.