الصواريخ الإيرانية، الصواريخ الإسرائيلية: الهجوم على سورية ودلالاته
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
المؤلف
  • الهجوم الذي وقع بالأمس في منطقة دمشق، المنسوب إلى إسرائيل، مهم لعدة أسباب. أهمها: أنه يلمح إلى هدوء في التوتر بين المحور الشيعي الراديكالي بقيادة إيران وبين المحور الموالي للغرب بقيادة الولايات المتحدة. على ما يبدو، المقصود هو الشيء ونقيضه، لأن المنطق يقول إن مجرد الهجوم على مصالح إيرانية في الأراضي السورية سيتسبب بارتفاع خطِر ومفجر للتوتر.
  • لذلك، إذا كان صحيحاً ما ادّعته مصادر سورية رسمية - وأيضاً مصادر في المعارضة موثوق بها بصورة عامة - أن إسرائيل هاجمت في سورية، فإن ذلك دليل واضح على تقدير القدس أن مثل هذه الخطوة لن تؤدي طبعاً إلى رد إيراني فوري من الحرس الثوري أو من وكلاء إيران - الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية الموجودة في سورية - أو من حزب الله.
  • لكن مَن تابع تطورات الأيام الأخيرة رأى أن التوتر في الخليج الفارسي بين إيران وبين الدول العربية السنية كان في ذروته - إسرائيل تحديداً حاولت البقاء وراء الكواليس بشأن كل ما له علاقة بإيران. لم نسمع شيئاً في هذا الشأن في إسرائيل، باستثناء تصريح واحد لرئيس الحكومة الداعم للولايات المتحدة.
  • أيضاً امتنعوا في الجيش من أي كلام أو فعل يمكن أن يُفسَّر بأنه تحرش بإيران أو وكلائها في الشرق الأوسط. ويمكن التقدير أن ضبط النفس الذي أظهره الجيش على السياج مع قطاع غزة خلال مسيرات العودة في الأسبوع الماضي، تأثر هو أيضاً بالرغبة في عدم تحدّي الجهاد الإسلامي الذي يعمل بإمرة إيران، وعدم إعطائه أسباباً لزيادة التوتر في جنوب إسرائيل.
  • يمكن التقدير أيضاً في هذا السياق أن إسرائيل امتنعت من القيام بهجوم جوي كي لا تتحدى الجيش الروسي الموجود في سورية، وعناصره الذين يشغلون بطاريات S-300 التي نقلتها روسيا إلى سورية بعد الحادثة التي أسقطت فيها قوة سورية مضادة للطائرات طائرة تجسس روسية فوق أجواء البحر الأبيض المتوسط في أيلول/سبتمبر 2018. من المعقول الافتراض أن بوتين ووزير الدفاع الروسي شويغو طلبا من رئيس الحكومة الإسرائيلية في أثناء زيارته الأخيرة إلى موسكو تقليص الهجمات الجوية، كي لا يضطرا إلى الوفاء بوعودهما ونقل بطاريات S-300 البعيدة المدى إلى جيش النظام السوري.
  • الأمر الأكثر أهمية في هجوم الأمس هو العلاقة المحتملة بينه وبين المقال الذي نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية الموثوقة أول أمس. فقد تحدث المقال عن زيارة قام بها قائد فيلق القدس قاسم سليماني إلى "الحشد الشعبي"، وهو من الميليشيات الشيعية العراقية التي تحصل على رواتبها من طهران وموالية تماماً للإيرانيين الذين يستخدمونها. تحدث المقال عن الاجتماع بين سليماني وقادة الميليشيات الشيعية والبحث في ترتيبات نقل عناصر وسلاح صاروخي من إيران إلى سورية، ومن هناك إلى حزب الله في لبنان.
  • ذكر المقال بصراحة أنه جرى نقل شحنة من هذا السلاح في الأسبوع الأخير عبر الأنبار في غرب العراق إلى سورية - وهو معبر حدودي مرتجل أقامه الإيرانيون والسوريون. ونقل المقال عن مصادر دبلوماسية غربية قولها: "الشحنة مرت تحت أنظار إسرائيل والأميركيين الموجودين في العراق".
  • بالاستناد إلى كل هذه المؤشرات، في الإمكان التقدير أن الهجوم لم ينفَّذ من الجو بل بواسطة صاروخ أرض - أرض، أُطلق بحسب السوريين من هضبة الجولان أو من الجليل.
  • على الرغم من أن مصدر الخبر الذي ذكرته الصحيفة البريطانية غامض قليلاً، يمكن أن نفهم بين السطور أن أي أجهزة استخبارات هي التي أشركت صحافيين بريطانيين في المعلومة، لكن لماذا؟ السبب يمكن أن يكون تلميحاً واضحاً إلى الإيرانيين ووكلائهم: احذروا، لا تعتقدوا أننا لم نرَ شحنات الصواريخ، لكن اخترنا ألّا نهاجم بينما التوتر في الخليج الفارسي في ذروته، وأي هجوم في العراق أو في سورية يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوتر، أو ربما إلى هجمات وصدامات بين القوات الموالية لإيران وتلك الموالية للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج العربية.
  • من هنا يمكن أن نعرف من الهجوم المنسوب إلى إسرائيل أن تقدير الأميركيين وكذلك تقدير رئاسة الأركان في تل أبيب وفي قيادة الأمن القومي في القدس أن التوتر في الخليج الفارسي تراجع. ويمكن رؤية أسباب هذا التراجع في التوتر:خلال الأسبوع الماضي حرص ترامب على أن يغرد، ويشدّد عدة مرات على أنه لا يريد حرباً ضد إيران. وذلك بخلاف مستشاره بولتون ووزير الخارجية بومبيو اللذين يبدو كأنهما يريدان تلقين الإيرانيين درساً إذا تجرؤوا على المس بأرصدة أميركية أو بحلفاء الولايات المتحدة.
  • في مطلع الأسبوع قامت إيران ووكلاؤها بعدة هجمات في السعودية وفي مرفأ النفط في اتحاد الإمارات - الفجيرة. لم يعلن الإيرانيون مسؤوليتهم، لكن حلفاءهم الحوثيين في اليمن فعلوا ذلك من أجلهم. هناك دلائل أُخرى تدل على أن الهجمات قامت بها إيران أو وكلاؤها. المعلومات الاستخباراتية في هذا الشان كانت دقيقة. وهذا ما دفع الولايات المتحدة إلى إرسال حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن" إلى الخليج الفارسي وطائرات قاذفات قنابل ثقيلة إلى قطر.
  • كذلك في منتصف الأسبوع، وردّاً على تصريحات ترامب المهادنة، قال المرشد الأعلى علي خامنئي إنه "لن تقع حرب مع الولايات المتحدة". لم يخفِ ترامب حقيقة أنه مستعد لمواجهة اقتصادية مع إيران والصين وآخرين، لكنه لا يريد مواجهة عسكرية تعرِّض حياة جنود أميركيين للخطر، كما تعرِّض فرص انتخابة مرة ثانية .
  • لم يتأخر وصول الرد الإيراني: في يوم الجمعة قال رئيس اللجنة السياسية- الأمنية في المجلس (البرلمان) في طهران إنه يجب العثور على طاولة في العراق أو في سورية يمكن أن تجلس عليها الولايات المتحدة وإيران للبحث في المشكلات بينهما.
  • من المعروف أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران أحدثت أزمة كبيرة في اقتصادها لأن إيران لم تعد قادرة على تصدير النفط. ويمكن لهذه الأزمة على المدى البعيد أن تعرِّض وجود حكم آيات الله للخطر. وهذا هو الموضوع الأساسي الذي يريد الإيرانيون مناقشته. في المقابل، تريد الولايات المتحدة تعديل الاتفاق النووي، وفرض قيود على تطوير الصواريخ البالستية في إيران، وعلى الإرهاب الإقليمي الذي يقوم به وكلاؤها. كلام آية الله هو إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة بأنه يوجد ما نتحدث عنه.
  • لم يتأخر ترامب في الرد في تغريدة أثنى فيها على ما اعتبره مؤشراً إلى استعداد إيراني للتحاور مع الولايات المتحدة. النظام في طهران كذّب يوم الجمعة خبر استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة، لكن كان واضحاً أن السياسي الرفيع المستوى يتحدث بصلاحية وبإذن بصفته رئيس اللجنة السياسية والأمنية في المجلس.
  • يمكن الافتراض أن تبادل الإشارات التي خففت من التوتر لم تغِب عن أنظار المحللين في الاستخبارات في واشنطن وإسرائيل. وربما لهذا السبب أُعطيت إشارة القيام بعملية ضرب شحنات الصواريخ التي وصلت من العراق، الموجهة إلى حزب الله، والتي تحدث عنها "دبلوماسيون غربيون" إلى صحيفة "الغارديان" البريطانية.
  • يمكن الافتراض على الأقل أن أحد الأهداف التي هوجمت في منطقة دمشق - المعروفة بأنها محطة لانتقال قوات وعتاد من سورية إلى لبنان وحزب الله - هو مخازن الصواريخ التي جرى نقلها عبر الممر البري من العراق.

إذا كان هذا التقدير صحيحاً، معنى هذا أن إسرائيل تحركت بحذر وحرصت على عدم تسخين الساحة من خلال هجوم على العراق أو في عمق سورية، وكي لا تُغضب الروس، وذلك من دون أن تتخلى عن قدرتها على تنفيذ استراتيجيتها الرامية إلى منع تحسين دقة الصواريخ والقذائف التي يملكها الإيرانيون والسوريون وحزب الله. نأمل فقط بأن تكون الشحنة كلها قد دُمرت في طريقها إلى لبنان ولم تصل إلى  حزب الله.