معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في 27 شباط/فبراير، عُقد في موسكو اجتماع بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هذا الاجتماع هو العاشر بين الزعيمين منذ أيلول/سبتمبر 2015، منذ بدأ التدخل الروسي في سورية، وهو الأول الذي يُعقد بينهما منذ إسقاط طائرة التجسس الروسية من قبل الجيش السوري في 17 أيلول/سبتمبر 2018، والأزمة التي نشأت في أعقاب ذلك بمبادرة روسية بين القدس وموسكو. بعد الاجتماع ذكرت أطراف إسرائيلية أنه جرى التوصل إلى تفاهمات بين الطرفين في موضوعين مركزيين: تسوية مشكلة الأزمة الثنائية بين إسرائيل وروسيا؛ وتحريك الحوار بين الطرفين للتوصل إلى تفاهمات محدّثة بشأن مسألة وجود القوات الأجنبية في سورية، وخصوصاً الإيرانية.
- فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية قيل إن موضوع الأزمة الناجمة عن إسقاط الطائرة قد أُزيل من جدول الأعمال ولم يعد موجوداً. لكن، يجب الأخذ في الحسبان في هذا الشأن، وجود معارضة لتحسين العلاقات مع إسرائيل لدى المؤسسة الأمنية الروسية التي تتحدث بلهجة مختلفة وأكثر عداء من الرئيس بوتين فيما يخص إسرائيل.
- فيما يتعلق بوجود القوات الأجنبية في سورية، قالت أطراف إسرائيلية إن الطرفين اتفقا على تشكيل لجنة مشتركة روسية - إسرائيلية، ستعمل على تنسيق "خروج كل القوات الأجنبية من سورية". وبالاستناد إلى تسريبات مصادر إسرائيلية، ستضم اللجنة المخطط لها دولاً إضافية ويمكن أن تشارك سورية في عملها. وبحسب أطراف في وزارة الخارجية الروسية (وخلال زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى دول الخليج في الأسبوع الأول من شهر آذار/مارس)، تعمل روسيا على انضمام دول الخليج، وخصوصاً السعودية، إلى هذه اللجنة وأيضاً إلى عملية التسوية في سورية وإعادة إعمار الدولة.
- من المهم التشديد على أن روسيا لا ترى نفسها قوة أجنبية في سورية. فبالنسبة إليها مصطلح "قوات أجنبية" لا يشمل قواتها الموجودة في هذه الدولة بالاستناد إلى اتفاقية ثنائية موقّعة لعدة سنوات (القواعد البحرية والجوية في سورية استأجرتها روسيا لمدة 49 عاماً، الأمر الذي في رأيها يمنح قواتها شرعية كاملة طوال فترة وجودها في سورية). لذلك المصطلح له علاقة بالتالي:
- قوات "شرعية" أُخرى استدعتها سورية في الماضي، لكن بعد حسم الحرب الأهلية من الأصح أن تغادر، والمقصود قوات إيرانية. وسورية "مدعوة" إلى اللجنة لكي تنهي صلاحية دعوتها تلك القوات الإيرانية.
- قوات "غير شرعية" دخلت إلى سورية منذ بداية الحرب الأهلية في سنة 2011 - القوات الأميركية والتركية وغيرها.
ج- "قوات محتلة" موجودة على الأراضي السورية منذ سنة 1967، والمقصود إسرائيل في هضبة الجولان.
- في غياب معلومات مُسندة تتعلق بشكل اللجنة المشتركة المقترحة، يمكن التفكير في احتمالين لتفسير دوافع روسيا لتأليفها. الأول، هو ملاحظة تغيّر في الموقف الروسي جرّاء تعب من التدخل في سورية وقد عُبر عن ذلك بالابتعاد عن إيران. والثاني، احتمال استمرارية المصالح الروسية في سورية، ومعناه سيناريو خطِر بالنسبة إلى إسرائيل.
- يستند الاحتمال الأول إلى افتراض أن روسيا تجد نفسها متورطة أكثر فأكثر في سورية، ولذلك هي تسعى للتوصل إلى حلول للأزمة السورية، تشمل أيضاً مكوناً لقيام حوار دولي يُخرجها من العزلة السياسية التي تعانيها. وبذلك يمكن تفسير الاقتراح الروسي كمحاولة لتغيير قواعد اللعبة الحالية في هذه الساحة. تعمل روسيا بجهد مكثّف على الدفع قدماً بالاستقرار وإعادة الإعمار والتسوية في سورية، رغم احتكاك آخذ في التفاقم مع تركيا وإيران اللتين تختلف معهما بشأن طريقة معالجة موضوع إدلب. في المقابل هناك خروج القوات الأميركية من سورية، ورفض دول الغرب المشاركة في تمويل إعادة الإعمار ما دام ليس هناك تسوية سياسية، وترك روسيا وحدها في مواجهة قضية التسوية. في هذه الأثناء، طُرحت في الأشهر الأخيرة أفكار لتغيير تركيبة منتدى أستانا (الذي تشارك فيه حالياً روسيا وإيران وتركيا وسورية بصورة جزئية) وربما طُرح إلغاؤه، ودعوة دول إضافية إلى المشاركة في عملية التسوية. زيارة بشار الأسد إلى إيران في مطلع آذار/مارس، التي لم تُنسَّق مع روسيا، أثارت غضباً في موسكو - يُعتبر هناك التقارب الإيراني- السوري كاستفزاز وكإشارة من جانب الأسد لاهتمامه باستمرار وجود إيران على الأراضي السورية، من دون صلة بالموقف الروسي من الموضوع.
- على هذه الخلفية، يمكن التقدير أن روسيا بلورت نظرية بديلة لسياستها في سورية، وذلك كجزء من أهدافها على الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط وأيضاً على الساحة الدولية. من المعقول أن موسكو مهتمة من جديد بالتعاون مع إسرائيل، وسيجري التعبير عن ذلك في تركيبة اللجنة المقترحة، بهدف الدفع قدماً بنهاية سريعة للأزمة في سورية، وذلك بواسطة عملية تسوية تمنح روسيا تفوقاً في سورية، إلى جانب أن تجنيد دول الخليج في عملية التسوية ومشروع إعادة الإعمار، سيرمم أيضاً مكانتها الإقليمية. ومن المحتمل أن روسيا تأمل بأن يؤثر التعاون الإقليمي بالإضافة إلى التعاون مع إسرائيل في مسألة الوجود الإيراني في سورية إيجابياً في علاقات روسيا بالولايات المتحدة ويسمح بتجدد الحوار بين الدولتين.
- التفسير الثاني يصور الاقتراح الروسي "كفخ " يشكل خطراً على إسرائيل. وبحسب هذا التفسير لا تحاول موسكو التقرب من إسرائيل، بل الدفع قدماً بالمصلحة الروسية في سورية - في الأساس الاستقرار وإعادة الإعمار - على حساب إسرائيل، من دون أي نية لإبعاد القوات الإيرانية عن أراضي هذه الدولة. ويتطابق هذا التفسير مع التقديرات الأميركية والإسرائيلية بشأن عدم قدرة روسيا على إبعاد القوات الإيرانية عن سورية، وحتى عدم احترام الاتفاقات القاطعة بشأن إبعاد هذه القوات عن الحدود مع إسرائيل. هناك مصالح أساسية مشتركة لروسيا مع إيران، على رأسها تعزيز نظام الأسد وإبعاد الولايات المتحدة عن سورية. ويمكن التقدير أن هذه المصالح ما تزال قائمة، ولذلك تسعى روسيا لتقليص عمليات إسرائيل في سورية. فعلياً هذا التقليص حدث، ولا نعرف ما إذا كان لذلك علاقة بخفض النشاطات الإيرانية في سورية، أم أن له علاقة بالحذر الإسرائيلي من مواجهة منظومات الدفاع الجوي الجديدة المنصوبة في سورية، وقواعد جديدة تريد موسكو فرضها على آليات "منع الاحتكاك" بينها وبين إسرائيل. بهذا المعنى من المحتمل أن تستخدم روسيا الحوار المتجدد مع إسرائيل كي تقلل عملياتها هذه وتقيّدها عن طريق وعود وربما أيضاً تهديدات.
- فيما يتعلق بمحتوى اقتراح تشكيل اللجنة كما نُشر حتى الآن، فإن غياب برنامج مفصل لمكونات مركزية يطرح شكوكاً إزاء المصلحة الروسية ويدعــم التفسير الثاني بشأن دوافع روسـيا. أولاً، احتمــال ضم ســورية إلى لجنـة تشارك فيها إسـرائيل، ستبحث في إخراج القوات الأجنبية من سورية، ضئيل للغاية. أيضاً من جانب إسرائيل، احتمال إعطاء روسيا فتحة - مهما كانت صغيرة - لتصوير اللجنة المقترحة كمحاولة للتوسط بين إسرائيل وسورية وإعادة النقاش بشأن مستقبل هضبة الجولان إلى جدول الأعمال (ضمن إطار إخراج "جميع القوات الأجنبية") مرفوض من جانب إسرائيل - بالتأكيد ليس في زمن الانتخابات، وفي الوقت الذي تنشط فيه الأحزاب، حتى تلك التي تُعتبر "وسطاً"، في الولايات المتحدة في هذه الأيام من أجل الحصول على اعتراف الإدارة الأميركية بالسيادة الإسرائيلية على الجولان. أيضاً احتمالات أن تؤثر بلورة اللجنة إيجاباً في مصلحة الحوار بين روسيا والغرب بصورة عامة والولايات المتحدة بصورة خاصة محدودة جداً. يبدو أن التدخل الروسي في سورية استنفد قدرته كمسار للتحاور مع الغرب سعياً للتخفيف من الضغط الذي يُمارس على روسيا على الساحة الدولية. الدول الأوروبية تعارض تقديم مساعدة مالية إلى نظام الأسد، والإدارة الأميركية من جهتها غارقة في التحضير لتقرير المدعي العام روبرت مولر الذي يحقق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. لذلك، من المحتمل أن موسكو تحاول المماطلة مع إسرائيل بمساعدة مبادرة تشكيل اللجنة، بينما هي نفسها ليست معنية بخروج القوات الأجنبية، وخصوصاً الإيرانية من سورية، أو أنها غير قادرة على القيام بذلك، وتعلم أن احتمالات حدوث تغيّر إيجابي في نظرها على مستويات أُخرى على الساحة الدولية بمساعدة اللجنة، ليست واقعية.
- في الخلاصة، بعد أكثر من أسبوعين على زيارة رئيس الحكومة إلى موسكو لم يقدم إلى الجمهور في إسرائيل معلومات موثوق بها بشأن المسائل الأربع المهمة في العلاقات مع روسيا، في السياق السوري وفيما يتعلق بالقوات الإيرانية في سورية، وهي:
أ- هل هناك تغيّر في آليات "منع الاحتكاك" بين روسيا وإسرائيل - بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية وبعد حسم الحرب الأهلية في سورية؛
ب- هل نجح رئيس الحكومة نتنياهو في إقناع بوتين بعدم نقل بطاريات الـS-300 المنصوبة على أراضي سورية إلى السيطرة السورية؛
ج- هل تقليص الهجمات الإسرائيلية في سورية هو نتيجة توقف جهود التمركز الإيراني في أراضي هذه الدولة، أم هو بطلب روسي؛
د- ما هي دلالات إقامة لجنة مشتركة مع إسرائيل لإبعاد "القوات الأجنبية" عن سورية! وهل إبعاد القوات الإيرانية هو في جوهر النقاش، أو بين موضوعات أُخرى!
- إذا فعلاً عالجت اللجنة إبعاد القوات الإيرانية عن سورية، سيكون المقصود عملية بعيدة الأمد تعكس ابتعاد روسيا عن حليفها الأساسي في سورية، الأمر الذي ينطوي على انعكاسات إيجابية أكثر على إسرائيل على الساحتين السورية والإقليمية. مع ذلك، من المحتمل أن تكون اللجنة مخرجاً بيروقراطياً - دبلوماسياً بالنسبة إلى روسيا، نتيجة عدم القدرة أو عدم الرغبة في إخراج القوات الإيرانية، ويمكن أن تؤدي إلى جرّ إسرائيل إلى معاودة البحث في قضية هضبة الجولان كشرط لإخراج القوات الإيرانية.
- لذلك، من المهم أن توضح حكومة إسرائيل ما هي الآلية التي جرى الاتفاق بشأنها مع روسيا في الاجتماع الأخير بين نتنياهو وبوتين، وما هي شروطها.