في حمأة الصراع ضد غانتس، نتنياهو يطمس الحدود بين الأمن والدعاية الانتخابية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في الأيام الأخيرة بذل الجيش جهداً للعودة إلى إسدال ستار من الغموض على سياسة الهجمات الإسرائيلية في سورية. فقد رفض ضباط كبار الرد على الأسئلة بشأن الحادثة التي وقعت بالقرب من حدود هضبة الجولان مساء يوم الإثنين، إذ تحدثت تقارير عن إطلاق نيران المدفعية الإسرائيلية في اتجاه موقع له علاقة بحزب الله. في أعقاب استعادة نظام الأسد الجولان السوري في الصيف الماضي، عاد حزب الله إلى إقامة شبكات إرهاب في المنطقة، على الرغم من تعهد روسي واضح لإسرائيل بإبعاد إيران والميليشيات الشيعية المتماهية معها حتى مسافة 80 كيلومتراً عن الحدود.
  • صمد الغموض أقل من يوم. مساء أمس، أطلعت إحدى الجهات الصحافيين على ما حدث، وقدمت تفاصيل أُخرى عن الهجوم، في توقيت تزامن مع بداية النشرة الإخبارية في القناة الـ12. بعد مرور ساعتين، وعلى سلم الطائرة التي ستقله إلى مؤتمر وارسو، كان رئيس الحكومة نفسه، الذي تحدث عن الهجوم علناً. قال نتنياهو رداً على سؤال: "نحن نعمل يومياً، بما في ذلك بالأمس، ضد إيران ومحاولاتها التمركز في المنطقة".
  • هذه هي المرة الثانية خلال شهر التي يتصرف فيها نتنياهو بهذه الطريقة. في منتصف كانون الثاني/يناير، وبعد الهجوم الإسرائيلي على مخازن إيرانية في مطار دمشق (وبعد أن تطرق رئيس الأركان المنتهية ولايته، غادي أيزنكوت، بالتفصيل إلى سياسة الهجمات في مقابلة نشرتها النيويورك تايمز)، تحمّل نتنياهو في بداية جلسة الحكومة مسؤولية الهجوم.
  • يمكن الإدعاء إن سياسة الغموض لم تعد مهمة، وتحقيق الهدف منها ميؤوس منه سلفاً، إذا أخذنا في الحسبان أن الغموض أُزيل مرات عديدة في السنوات الأخيرة. والأكيد أنهم في طهران وفي قيادة حزب الله يعرفون بدقة متى يتحرك الجيش الإسرائيلي ضدهم ومتى لا يتحرك. لكن المشكلة المركزية مختلفة. لا يستطيع نتنياهو أن يمسك بالعصا من طرفيها- في البداية منع الجيش من الكلام وتقريباً فور ذلك يفشي السر بنفسه، على خلفية اعتبارات انتخابية واضحة للعيان.
  • كلام رئيس الحكومة بالأمس يصف ما يميّز حالة الهيجان التي سيطرت على حملة الليكود كله. أمثلة جزئية من الأسابيع الأخيرة: أقوال مشكوك فيها للجنرال قاسم سليماني سُربت إلى صحيفة في الخليج قيل في وقت سابق أنها تُستخدم كقناة دعاية من قبل نتنياهو - وجدت طريقها فوراً إلى دعاية الليكود؛ نتنياهو يهدد بتدمير إيران رداً على تهديدات مشابهة من طهران؛ نتنياهو يصور نفسه في فيلم وهو في طريقه لزيارة سلاح البحر، ويشكو من أشخاص غامضين ("هم") يمنعونه من نشر صور له مع جنود (ومع ذلك ينشر صوراً)؛ في حساباته الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي يشن هجوماً شرساً وكاذباً على منافسه، رئيس الأركان السابق بني غانتس، الذي "تخلى عن جرحى في قبر يوسف"؛ وحالياً - رفع الغموض عما يجري في سورية.
  • الأمر المهم الذي يمكن أن نمدح به نتنياهو، أنه طوال عشر سنوات متواصلة من حكمه تصرف في الساحة الأمنية - وخصوصاً في الجبهة الشمالية - بكثير من الحذر والمسؤولية. لقد حافظ رئيس الحكومة على المصالح الإسرائيلية، وعلى الرغم من المرات التي اقترب فيها بصورة خطرة من حافة الهاوية، حاذر أن يورط الدولة في حرب لا لزوم لها، على الرغم من الاضطرابات العنيفة التي تسببت بها أحداث الربيع العربي، والحرب الأهلية في سورية. لكن يبدو أنه في حمأة الصراع ضد غانتس، ومن خلال الجهد الذي يبذله لتصوير المعركة الانتخابية كمعركة "يمين قوي ضد يسار ضعيف"، وربما أيضاً تحت وطأة اقتراب التهديد بإعلان توجيه لائحة اتهام من قبل المستشار القانوني للحكومة، يزداد لدى نتنياهو الميل إلى طمس الخطوط التي تفرق بين الأمن والدعاية.
  • سياسياً، قد يبدو أن هذا الرهان يمكن أن يثبت جدواه، كما جرى في المعارك الانتخابية السابقة. ولكن أمنياً، يمكن أن يكون لعبة خطرة: سواء بالنسبة إلى الضرر المتراكم الذي تخلقه الرسائل المتناقضة المرسلة من المستوى السياسي إلى الجيش، أو الاستفزازات المتكررة لإيران وسورية. تقول إسرائيل، ويبدو أن هذا صحيح إلى حد بعيد، أنها نجحت حتى الآن في لجم تطلعات إيران للتمركز العسكري في سورية. وكما هو معروف، في طهران لا يعترفون بفداحة الضرر الذي تكبدته عناصر الحرس الثوري جرّاء الهجمات الإسرائيلية. لكن المباهاة المتكررة بالهجمات من شأنها أن تقنع الإيرانيين بأن عليهم العودة إلى الرد، كما حاولوا أن يفعلوا بإطلاق صاروخ من سورية جرى اعتراضه فوق جبل الشيخ في نهاية كانون الثاني/يناير.