يخنقون الغزاويين، ثم يعبّرون عن قلقهم لأنهم يختنقون
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • تشعر المؤسسة الأمنية بالقلق بشأن انهيار النظام الصحي في قطاع غزة، لأن هذا الأمر سيجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي شن هجوم عسكري كبير، إذا أمر المستوى السياسي بذلك. هذا ما جاء في الخبر الذي نقله يانيف كوفوفيتس عن نقاش الموضوع في المجلس الوزاري المصغر، أي أنه بين الاعتبارات التي يجب على المستوى السياسي أن يأخذها في حسابه، إذا قرر شن هجوم جديد على الجيب الفلسطيني المحاصر، هو الأداء الضعيف جداً للنظام الصحي الفلسطيني.
  • وهناك أيضاً أمران عرفناهما مباشرة من الخبر: 1- أغلبية المصابين في المواجهة المتوقعة ستكون من المدنيين (مثلما كانوا في الهجمات السابقة)، ولن يكون هناك مجال لإنقاذهم ومعالجتهم كما يجب. 2- المجتمع الدولي (المقصود في الأساس الدول الغربية) سيكون من الصعب عليه تأييد عملية إسرائيلية إضافية بسبب عدم القدرة على إنقاذ مصابين مدنيين.
  • ما قرأناه بين السطور هو أن المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي أيضاً يتنصلان من مسؤوليتهما عن الوضع في قطاع غزة بصورة عامة، وخصوصاً وضع النظام الصحي الفلسطيني. وبالمناسبة، مصدر في المستوى السياسي قال إن السلطة الفلسطينية تريد انهيار النظام الصحي الفلسطيني في قطاع غزة. وفي الواقع لا يمكن التقليل من خطورة انعكاسات المنافسة الطاحنة والمدمرة والعديمة المسؤولية الدائرة بين "حماس" و"فتح". لكن التجاهل المطلق للمسؤولية الإسرائيلية عن الوضع والعلاقة بين التدهور الاقتصادي وسياسة الحصار والتمييز التي تفرضها إسرائيل على غزة منذ سنة 1991، تعزز الشك في أنه على الرغم من كل المعلومات الدقيقة والمحدثة التي لديهما، فإن المستوى السياسي والمستوى الأمني لا ينويان تغيير مبدأ أساسي في سياستهما - أي التعامل مع القطاع ككيان منفصل وكاقتصاد منفصل ذاتياً.
  • تدهور الخدمات الصحية في القطاع له علاقة أيضاً بوضع الأونروا في أعقاب وقف المساعدة الأميركية المالية لها. ومن سخرية القدر أن هذا جاء نتيجة حملة سياسية ضد الأونروا خاضها إسرائيليون كبار طوال سنوات، لاقت تجاوباً لدى إدارة دونالد ترامب. وهناك ضربة مالية أُخرى منتظرة قريباً ستُلحق الضرر مباشرة أو بصورة غير مباشرة بالنظام الصحي الفلسطيني: إسرائيل قررت حسم ما يوازي المخصصات التي تُعطى لعائلات الأسرى الفلسطينيين من أموال الرسوم التي تجبيها في موانئها وتعيدها إلى وزارة المال الفلسطينية. هذه الرسوم تشكل الجزء الأكبر من مداخيل السلطة الفلسطينية. وتقليصها سيمس بخدمات حيوية. لقد سبق أن برر محمود عباس التقليصات التي أمر بها لرواتب ومخصصات السكان في غزة بالعجز في ميزانية السلطة. وحسم مئات آلاف الشيكلات الإضافية من مداخيل الرسوم سيكون سبباً بتقليص الخدمات الطبية في القطاع.
  • جاء في الخبر الذي نقله كوفوفيتس أن هناك نحو 6000 جريح مصابين بإطلاق نار إسرائيلي ينتظرون معالجة ملحّة. في نيسان/أبريل 2018، جاء في "هآرتس" أن مصادر طبية فلسطينية ودولية عبّرت عن صدمتها إزاء خطورة الجروح التي يصاب بها عدد كبير من المتظاهرين غير المسلحين.
  • قرار استخدام السلاح الحي، وليس وسائل أخرى غير قاتلة، من أجل تفريق متظاهرين غير مسلحين هو قرار الجيش. والأوامر المعطاة للجنود بإطلاق النار من مسافة قصيرة على أقدام المتظاهرين، لإصابتهم بجروح بليغة وحتى التسبب بإعاقتهم - هو قرار قادتهم. فقد جاء في تقرير صادر عن منظمة "أطباء بلا حدود" في منتصف نيسان/أبريل 2018، "لاحظت طواقمنا الطبية أن الجروح ألحقت ضرراً كبيراً في العظام والأنسجة، وأن جروح خروج الرصاصة من الجسد يمكن أن تصل إلى حجم قبضة اليد. وسيكون على هؤلاء الجرحى الخضوع لعمليات معقدة جداً، وأغلبيتهم ستعاني جرّاء ذلك إعاقات مدى الحياة". لكن الجنود واصلوا إصابة المتظاهرين غير المسلحين بالطريقة عينها، أيضاً بعد نشر هذه المعلومات، وبعد أن قيل بوضوح إن المستشفيات في غزة غير قادرة على معالجة كل الجرحى كما يجب، وإن علاجهم الأوّلي يأتي على حساب المرضى العاديين الذين يُطلب منهم العودة إلى منازلهم في وقت مبكر جداً، وأن عدم وجود الأدوية المطلوبة يؤدي إلى ازدياد الالتهابات والغرغرينا.
  • لقد كان في الإمكان إنقاذ أرجل جزء من الجرحى - وحتى إنقاذ حياة جرحى آخرين - لو سُمح لهم بالخروج لتلقّي العلاج خارج القطاع، في أماكن لا يوجد فيها نقص في الأدوية، ومواد تخدير، وأبر، وكهرباء. لكن امراً سياسياً بعدم السماح لهم بالخروج وآليات معقدة جداً للحصول على أذونات عرقلت هذا الأمر الذي كان سيخفف من الضغط على غرف العمليات في القطاع. وفي أحيان كثيرة العرقلة والتأخير في إعطاء الإذن بالخروج يؤديان إلى تدهور الوضع الصحي للمريض، والعبء الذي يعانيه النظام الصحي في القطاع قد ازداد.
  • المؤسسة الأمنية (إدارة التنسيق والاتصال الخاضعة لسلطة منسق الأنشطة في المناطق) والشاباك هما اللذان وضعا الآلية المعقدة لفحص طلبات الأذونات، بينها الأذونات لأسباب طبية. وبالاستناد إلى أرقام منظمة الصحة العالمية، خلال سنة 2018، قُدّم 25,897 طلباً للخروج للمعالجة الطبية في الضفة الغربية أو في إسرائيل من خلال معبر إيرز. وجميع مقدمي الطلبات حصلوا على تعهد مالي من السلطة الفلسطينية بتغطية نفقات علاجهم. إدارة التنسيق والاتصال والشاباك وافقا على 61% فقط من الطلبات. 31 % لم يجرِ الرد عليها أبداً أو أنه جاء متأخراً، ولم يستطع مقدمو الطلب الوصول في الموعد المحدد لهم، ونحو 8% من الطلبات رُفضت.
  • بسبب الضائقة الاقتصادية والنفسية المتزايدة في القطاع هناك ارتفاع في عدد السكان الذين نجحوا في الحصول على إذن بالخروج إلى الضفة لبضعة أيام وبقوا هناك. في أحيان كثيرة يجدون مورد رزق ويساعدون عائلاتهم في غزة. تسمي المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي هؤلاء "مقيمون غير قانونيين" على الرغم من أن اتفاق أوسلو حدد أن القطاع والضفة يشكلان وحدة جغرافية واحدة. في العامين الأخيرين اشترطت المؤسسة الأمنية خروج أقربائهم للمعالجة الطبية – بعودتهم إلى قطاع غزة. أي أن المؤسسة الأمنية التي تخاف من انهيار النظام الصحي الفلسطيني هي التي تصعب عمل هذا النظام الطبي وتفرض عليه معالجة مرضى بوسائل لا يملكها، وعلى أطبائه مراقبة تدهور وضع المرضى من دون أن يكونوا قادرين على مساعدتهم.
  • لا يمكن فصل الصعوبات المالية التي يعانيها النظام الصحي في القطاع عن أرقام الفقر فيه، ولا يمكن فصل أرقام الفقر عن العامل الأساسي والدائم الذي يسببه: حرمان السكان حرية التنقل. بهذه الطريقة تدهورت حتى الحد الأدنى النشاطات الإنتاجية في القطاع. بدأت هذه السياسة قبل صعود "حماس" إلى الحكم، وتفاقمت مع خطة الانفصال عن غزة سنة 2005، حين توقف عمل آلاف العمال من القطاع في إسرائيل. إن إعادة تأهيل النظام الصحي في القطاع غير ممكنة من دون إعطاء سكانه حرية التنقل ومنحهم القدرة على العيش الكريم.