معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- بعد مرور ثلاث سنوات على بدء تطبيق الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران، في منتصف كانون الثاني/يناير 2016، سيكون من الصواب أن نسأل: ما هو وضع الاتفاق؟ مؤيدو الاتفاق يصرون على أن "الصفقة كافية لإحداث النتائج المرجوّة"- ما قصدهم بذلك؟ إذا كان القصد هو منع إيران من التحول إلى دولة نووية، من الواضح أن هذا ليس هو الحال، ولو كان ذلك أن الصفقة تضمنت تاريخاً لانتهاء صلاحيتها، بحسب بنود "غروب الشمس" التي تضمنها الاتفاق (sunset provisions). بكلام آخر، الاتفاق في أحسن الأحوال سيؤجل فقط اليوم الذي ستكون فيه إيران قادرة، من الناحية التقنية، على مواصلة تطوير سلاح نووي. في المقابل، إذا كان المقصود هو أن إيران تفي بتعهداتها الواردة في الاتفاق، القول إن "الصفقة تعمل" مرتبط بطريقة تقويمنا الاتفاق بحد ذاته: إذا كان التقدير بأن الاتفاق جيد وشامل، حينئذ الامتثال الإيراني له هو من دون شك خبر جيد. لكن إذا كانت تشوبه نواقص خطِرة، فإن الامتثال الإيراني لشروطه لا يؤكد أنه منعها من إمكان التقدم في مشروعها النووي، أو أنه يمكن أن نطمئن حيال احتمال أن تتحول إيران إلى دولة نووية في وقت ما في المستقبل.
- ماذا يحمل لنا المستقبل بشأن المشروع النووي الإيراني وفقاً للاتفاق؟ لقد سمح الاتفاق لإيران باستخدام 5060 جهازاً للطرد المركزي من نوع IR-1 حتى سنة 2024، وبدءاً بتلك السنة وما بعدها يحق لها إنتاج أجهزة طرد أكثر تقدماً وتشغيلها. "زمن الاختراق" الإيراني باتجاه القنبلة هو في الوقت الحالي أقل من سنة واحدة، لكن من المتوقع أن يضيق الحيز الزمني مع مرور الوقت. تهديدات إيران المتكررة بأنها ستخصب يورانيوم بمستويات أعلى من تلك المسموح لها بها، أي 3.67%، عبر تقصير زمن الاختراق باتجاه القنبلة، لا توحي بالثقة وتثير الشك في النتيجة الإيجابية خلال السنوات التي ستعقب انتهاء صلاحية الاتفاق. وعلى افتراض أن الاتفاق لن ينهار حتى ذلك الوقت، فإن تاريخ 18 تشرين الأول/أكتوبر 2025، سيكون يوم "الانتهاء" - تاريخ انتهاء صلاحية قرار مجلس الأمن 2231، الذي يمنح الصلاحية للاتفاق.
- عندما ننظر إلى الوراء، إلى السنوات الثلاث الأخيرة، يجب الإشارة إلى تطورين مهمين. الأهم بينهما هو من دون شك المقاربة الجديدة حيال إيران والاتفاق النووي التي انتهجها الرئيس ترامب - وهي النقيض الكامل للمقاربة التي انتهجتها إدارة أوباما. خلال سنتيْ 2017-2018، وخصوصاً بين شباط/فبراير ونيسان/أبريل 2018، بُذلت محاولات للتوصل إلى تفاهمات مع الدول الأوروبية الشريكة في الاتفاق (ألمانيا، بريطانيا ، وفرنسا) بشأن سبل تعزيز الاتفاق. وعلى الرغم من عدم وجود تسجيل رسمي للنقاشات التي جرت في هذا السياق، فإن مصادر غير رسمية أشارت إلى تحقيق تقدم في بعض الموضوعات، مع عدم توصل الأطراف إلى اتفاق حيال إحدى السمات الأكثر إشكالية لهذا الاتفاق: بنود انتهائه. بعد هذا الفشل جاء التحول 180 درجة للرئيس ترامب، مع انسحابه من الاتفاق في أيار/مايو 2018.
- كان قرار ترامب موضع خلاف حاد في النقاش العام الأميركي، ورُفض رفضاً قاطعاً من الأعضاء الخمسة + واحد (التي بلورت الصفقة مع إيران). مع ذلك، وعلى الرغم من تحذيرات هذه الدول من أنه ستكون لذلك انعكاسات كارثية، ليس فقط أن الاتفاق ما يزال صامداً وقائماً، بل توظف إيران جهوداً كبيرة في محاولة ضمان عدم حدوث تغيير للوضع.
- وفعلاً، للاتفاق مزايا لا بأس بها بالنسبة إلى إيران: فهو يسمح لها بالاحتفاظ بقدرة الاختراق باتجاه النووي العسكري، ويمنح شرعية لمشروعها في تخصيب اليورانيوم؛ ولا يشمل مشروعها للصواريخ - أجهزة حمل السلاح النووي؛ وهو يتضمن بنوداً للرقابة غير كافية؛ بالإضافة إلى أنه يمنح إيران تسهيلات كبيرة في مجال العقوبات.
- ثمة تطور مهم آخر سُجّل في هذه الفترة يتمثل في جهود إيران في التمسك بالاتفاق. التمعن في سلوكها في هذا السياق يدل على أن تهديداتها المسبقة بالتخلي عن الاتفاق إذا لم تقدّم لها الدول الخمس + واحد تسهيلات اقتصادية تتجاوز الشروط المعلنة في الاتفاق، اتضح أنها فارغة من المضمون. من أجل إنقاذ الاتفاق يتوجب على إيران ضمان استمرار تمسّك الدول الأوروبية به. ولهذه الغاية هي تخوض معركة محدودة هدفها زرع إسفين آخر بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، من خلال الضغط على دول أوروبا كي تبذل مزيداً من الجهد للدفاع عن المصالح الاقتصادية لإيران في مواجهة العقوبات الأميركية. وبما أن الدول الأوروبية متحمسة للمضي قدماً في تحقيق صفقات اقتصادية مربحة مع إيران- فهي تقوم مؤخراً بمبادرات لخرق نظام العقوبات الأميركي عبر إقامة نظام دفع خاص مستقل (SVP)، يلتف على النظام المالي الأميركي.
- في ضوء هذه التطورات، ما هي فرص نجاح حملة الضغط التي تخوضها إدارة ترامب ضد إيران؟
- الرد على هذا السؤال مرتبط جزئياً باستعداد النظام والشعب الإيرانييْن لمواصلة تحمّل العبء الاقتصادي من أجل التحول إلى قوة نووية، وأيضاً ثمن المؤامرات الإقليمية الباهظة التكلفة، والتي تهدف إلى تعزيز الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط. لكن السؤال الذي ما يزال مفتوحاً هل، وبأي طريقة، سيترجم النظام هذه الأثمان إلى استعداد للعودة من جديد إلى طاولة المفاوضات. بالإضافة إلى ذلك، التأييد الذي تحظى به إيران من أوروبا، ومن روسيا والصين في كل ما يتعلق بالاتفاق، يعمل أيضاً ضد أن تستخلص إيران أن عليها العودة إلى عملية التفاوض.
- من دون علاقة بالسؤال ما إذا كانت إيران ستعود إلى طاولة المفاوضات أو لن تعود، خلال سنة 2018، سُجلت مشكلتان مهمتان تتعلقان بالاتفاق وتفرضان معالجة فورية وجدّية. الأولى تتعلق بالرقابة على المنشآت غير المعلنة، والتي لها علاقة بالمشروع النووي الإيراني. إن الأرشيف الإيراني الذي وضع الموساد يده عليه من قلب طهران في كانون الثاني/يناير 2018، تضمن كميات ضخمة من المعلومات بشأن مشروع إيران النووي، وأيضاً مشاريع محددة لتطوير خمس قنابل نووية. كما تضمن معلومات عن منشآت معينة، طورت إيران فيها مشروعاً نووياً عسكرياً، بالإضافة إلى أدلة تشير إلى أنها كذبت طوال سنوات على الوكالة الدولية للطاقة النووية بشأن هدف نشاطاتها المتعددة. مع ذلك، وعلى الرغم من تقديم هذه المعلومات إلى وكالة الطاقة النووية الدولية، لم يقم مراقبو الوكالة بزيارة أي من المنشآت التي لها علاقة بالموضوع، ولم تواجه الوكالة إيران بتزوير أدلة.
- القضية الأُخرى هي مشروع الصواريخ الإيرانية، وخاصة التجربة التي قامت بها إيران مؤخراً لصاروخ متوسط المدى قادر على اجتياز الشرق الأوسط، والوصول إلى مناطق معينة في أوروبا، وأيضاً على أن يحمل رأساً نووياً. وبينما تثير التجربة قلقاً كبيراً، تفضل دول أوروبا وهيئة الرقابة على السلاح التشديد على أن التجربة الإيرانية لا تشكل خرقاً واضحاً لقرار مجلس الأمن 2231، الذي فقط "يدعو" إيران إلى الامتناع من نشاطات من هذا النوع. الدولتان الأوروبيتان اللتان عبّرتا عن قلق كبير - فرنسا وبريطانيا - تتخوفان من اتخاذ خطوات حقيقية خوفاً من أن تؤدي إلى زعزعة الاتفاق النووي.
- الوضع الناشىء بشأن المشروع النووي الإيراني له انعكاسات بعيدة المدى أيضاً على نظام منع انتشار الأسلحة النووية. هذا النظام، بحسب اتفاقية جنيف لمنع انتشار السلاح النووي، تضرر من الظواهر التي رافقت الاتفاق، أي عدم معاقبة دولة كذبت على المجتمع الدولي سنوات طويلة. لقد سمح المجتمع الدولي، بتبنيه الاتفاق مع إيران، لدولة لا تملك سلاحاً نووياً بالتقدم في مشروعها لتخصيب اليورانيوم. في الوقت الذي منع دولاً أُخرى في المنطقة تمتثل لاتفاقية جنيف، وتشعر بأنها مهددة من التفويض الذي مُنِح لإيران، من الحصول على هذه القدرات.
- إيران وسورية تنتهكان بصورة موثقة اتفاقية منع انتشار السلاح النووي، وتتمسكان بـ"شهادة النزاهة" الخاصة بهما، وهو ما يسمح لهما بالتملص من أي قرار لإدانتهما أو اتخاذ خطوات ناجعة ضدهما.
إذا استمرت الاتجاهات الحالية المتمثلة بتجاهل نشاط إيران في الماضي وتلك التي تقوم بها في هذه الأيام في مجال التطوير النووي، بما في ذلك عدم استعداد، أو عدم القدرة الحالية لوكالة الطاقة الدولية للإقرار بوجود نشاطات نووية في الماضي والحاضر، المتوقع حدوث مترتبات خطِيرة. إن جهود إيران المستمرة في المجال النووي، والتي تجمع في آن معاً مناورة دبلوماسية تهدف إلى اعتبار الرئيس الأميركي دخيلاً في مقاربته لإيران، يمكن أن تبدو مفيدة في مواجهة شبكة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة ضدها. في هذه المرحلة قد يبدو متأخراً للغاية اتخاذ أي خطوة، سواء كانت دبلوماسية أم عسكرية، تمنع إيران في النهاية من الحصول على سلاح نووي، وتفرض شيئاً من الاستقرار في الشرق الأوسط؟