ملخص ولاية أيزنكوت: رئيس هيئة الأركان الذي أبعد الحرب المقبلة، لكنه ابتعد عن الإجماع
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد 11 يوماً، ينهي غادي أيزنكوت ولايته كرئيس لهيئة الأركان الـ21 للجيش الإسرائيلي. هذا وقت الوداع. وعلى الرغم من أن ولايته حققت إنجازات كثيرة، فإن من الصعب القول إن أيزنكوت كان رئيس هيئة أركان بالإجماع . يبدو أن هذه الأيام ذهبت إلى غير رجعة. طوال الأربع سنوات الأخيرة تعرّض أيزنكوت باستمرار لهجوم من أقصى اليمين في الخريطة السياسية. و خليفته المعيّن، أفيف كوخافي، لن يكون في انتظاره حياة أسهل.
- الصعوبات ناجمة عن طابع النقاش السياسي في إسرائيل الذي أصبح شديد التطرف في السنوات الأخيرة بتأثير من وسائل التواصل الاجتماعي. لكنها تعكس أيضاً التحدي المتمثل في تفسير عمليات عسكرية، يجري جزء كبير منها تحت عتبة التغطية الإعلامية، وهي تحاول الدمج والموازنة بين عمليات سرية، وتهديدات الردع، واستخدام النار.
- في منتديات متعددة يكثر أيزنكوت مؤخراً من الحديث عن قمة جبل الجليد. يقول رئيس هيئة الأركان، المواطن العادي يرى فقط الجزء العلني من عملياتنا. لقد أُطلق نحو 500 قذيفة وصاروخ في المتوسط من قطاع غزة على جنوب البلد في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، فسمع المواطن في وسائل الإعلام أن الردع الإسرائيلي مات. هو لا يعرف أن جولة التصعيد الأخيرة بدأت بعملية واحدة خاصة كانت تقوم بها وحدة خاصة في الجيش الإسرائيلي تورطت في عمق منطقة "حماس" في خانيونس. السيد الإسرائيلي لا يعرف شيئاً عن مئات الهجمات الجوية والعمليات الخاصة التي جرت في السنوات الأخيرة.
- يرى رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته أن هناك فجوة كبيرة بين الصورة الاستخباراتية التي يحصل عليها، والتي تُظهر الردع والضغط اللذين تتعرض لهما تنظيمات متعددة (بدءاً بـ"حماس" ووصولاً إلى حزب الله) في مواجهة عمليات الجيش، وبين التغطية في إسرائيل والردود في شبكات التواصل الاجتماعي. وبحسب رئيس هيئة الأركان، فإن الأخبار حولت في الصيف الماضي البالونات الحارقة من القطاع، عن غير حق، إلى ذريعة لشن الحرب التي وظف الجيش جهوداً كبيرة للحؤول دون اندلاعها. في هذا المناخ السياسي والإعلامي من السهل جداً التلاعب بالجمهور، وأيضاً بأعضاء كنيست ووزراء، ومنذ اللحظة التي يخرج المارد من القمقم من الصعب إعادته إليه.
- العملية الواسعة الأخيرة التي قام بها الجيش تحت قيادته، صارت علنية قبل شهر تحديداً. ففي "درع شمالي" تم العثور في أراضي إسرائيل على خمسة أنفاق هجومية حفرها حزب الله تحت الحدود مع لبنان. وما يزال البحث جارياً عن تخطيطات أنفاق أُخرى. كلما مر الزمن، يقتنع أيزنكوت بأن قرار المضي بعملية علنية كان صحيحاً وأن الضرر الذي لحق بحزب الله نتيجة ذلك كان واسعاً. تدمير الأنفاق حرم الحزب مكوناً مركزياً في خطته العملانية للقيام بهجوم مفاجىء على طول الحدود. لو كانت الخطة نضجت في غضون بضعة أشهر، لا يستبعد رئيس هيئة الأركان احتمال محاولة الحزب مستقبلاً أن يرسل سراً مئات وآلاف المقاتلين إلى مستوطنات الجليل.
- الاختبار الأكبر لرئيس هيئة الأركان هو المتعلق باستخدام القوة طوال ولايته – وبهذا يبدو أنه نجح بامتياز. إسرائيل، تحت إدارته الفعالة، انتهجت خطاً قتالياً، فعالاً، ضد تهريب السلاح إلى حزب الله عن طريق الأراضي السورية، وفي السنة ونصف السنة الأخيرتين ضد التمركز العسكري لإيران في سورية. هذه الخطوات ألحقت الضرر بقدرات العدو - وربما لهذا السبب أبعدت الحرب المقبلة.
- في الضفة الغربية، أصر أيزنكوت على المحافظة على إجراءات فتح النار في الجيش الإسرائيلي (وتعرّض لنيران من الناس بصورة غير مسبوقة في قضية الجندي أليؤر أزريا) ومنع المجلس الوزاري المصغر من فرض عقوبات جماعية واسعة على الفلسطينيين في أعقاب موجة الهجمات بالسكاكين في خريف 2015. وساهمت هاتان الخطوتان بوضوح في منع نشوب انتفاضة ثالثة. في قطاع غزة، خط ضبط النفس النسبي الذي انتهجه كان موضع خلاف، لكن أيزنكوت مقتنع بأنه أعد الجيش بصورة أفضل لحرب محتملة هناك، ومنع في هذه الأثناء حرباً لا ضرورة لها.
- في الميزان العام، الهجمات من اليمين بشأن الضعف والرخاوة المزعومين اللتين أظهرهما الجيش في السنوات الأخيرة، تبدو مبالغاً فيها للغاية. الخلاف الأهم هو المتعلق بنوعية بناء القوة: كيف واجه الجيش التحديات حيال سياسة القوة البشرية (تراجع الحوافز للتطوع للقتال، وتحفظات الضباط الشباب عن الدخول في الخدمة الدائمة، وتضاؤل أعداد الاحتياطيين) وكيف أثرت خطوات اجتماعية واقتصادية (قيود مالية) في المجتمع وفي الدولة في قدرة جاهزية الجيش للحرب. ولقد أثارت انتقادات اللواء في الاحتياط، يتسحاق بريك، [مفوض شكاوى الجنود] اهتماماً كبيراً في الأشهر الأخيرة. لدى أيزنكوت ردود مفصلة على هذه الانتقادات. وهو سيقولها بإسهاب في المقابلات التي سيجريها الأسبوع المقبل مع قنوات التلفزة قبيل انتهاء خدمته.
- درج أيزنكوت على وصف التحديات أمام الجيش في مختلف القطاعات كـ"خمس جبهات زائد جبهة": سورية، لبنان، الضفة الغربية، قطاع غزة، داعش (في جنوب سورية وفي سيناء) وعلى مسافة أبعد بكثير- إيران. ومَن سيأتي بعده، لا يستطيع أن يعرف مسبقاً من أين سيأتي الشر في فترة ولايته. لكن على افتراض أن عملية تدمير الأنفاق على الحدود مع لبنان ستنتهي قريباً من دون إزعاج حقيقي من جانب حزب الله، يبقى "مشروع الصواريخ الدقيقة" للحزب هو التهديد الأساسي الذي سيشغل الجيش في السنة القادمة.
- بعد أن كشف رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، المواقع التي بدأ الإيرانيون فيها بإقامة مصانع للسلاح الدقيق لحزب الله في لبنان، في خطابه في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، جرى إخلاء المصانع في غضون أيام معدودة. يصر رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته على رأيه أن لدى حزب الله اليوم فقط صواريخ دقيقة معدودة، وقدرة محدودة فقط لإنتاج مثل هذه الصواريخ على الأرض اللبنانية. بكلام آخر، يعتقد أيزنكوت أنه حتى الآن تكللت الحرب الإسرائيلية ضد المشروع بنجاح. رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء تامير هايمن، لمّح إلى احتمال تصعيد بسبب قضية الصواريخ في خطاب ألقاه هذا الأسبوع في مؤتمر صحيفة "كلكليست". وقال: "حزب الله أيضاً يمكن أن يخطىء ويرد بصورة غير محسوبة على عملياتنا في لبنان أو في مكان آخر." وأضاف: "الفارق بين رد يؤدي إلى عملية واسعة أو لا يؤدي - هو مسألة حظ فقط".
- يواصل الجيش والأجهزة الاستخباراتية عملياتهما لإحباط تهريب السلاح وإنتاجه. قبل عشرة أيام جرى الحديث عن هجوم واسع شنه سلاح الجو على منطقة دمشق، أدى إلى إدانة روسية، بحجة أن الهجوم عرّض الطيران المدني في المنطقة للخطر. لكن صيغة الإدانة لم تكن حادة اللهجة، ويبدو أن القدس وموسكو تجسان النبض حالياً بحثاً عن قواعد جديدة في سورية. تسعى إسرائيل لمواصلة إحباط التهريب، بينما تطلب روسيا تقليص الخطر الذي قد يتعرض له عناصرها في سورية إلى أدنى حدّ، وفي الوقت عينه ضمان استقرار النظام. وبعد أن ارتفعت لهجة الروس بعد حادثة إسقاط طائرة أليوشن في أيلول/سبتمبر، هدأت قليلاً، ومن المحتمل التوصل إلى مجال لتفاهم مشترك. لكن الأمر مرتبط بألاّ تكثر إسرائيل من هجماتها وتبتعد عن مناطق المصالح الروسية، وفي طليعتها شمال - غرب سورية.
- في الأسبوع الماضي، وبعد الهجوم الأخير، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً استثنائياً جاء فيه أن "الولايات المتحدة تؤيد تأييداً قاطعاً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة التحركات الإقليمية لإيران، التي تعرّض المصالح الأمنية القومية لإسرائيل للخطر ".
- وعلى الرغم من عدم ذكر البيان الهجوم في سورية، فإن توقيته لم يكن صدفة. الانسحاب المحتمل للقوات الأميركية من سورية أدى إلى موجة انتقادات من تنظيمات مؤيدة لإسرائيل في واشنطن. وحالياً، وفي محاولة للتشديد على التنسيق مع إسرائيل وتأييد عمليات الجيش الإسرائيلي، بعثت إدارة ترامب رسائل إلى إسرائيل تقول لها فيها إنها ستحصل على دعم كامل تقريباً لمواصلة عملياتها ضد إيران وحزب الله في الجبهة الشمالية.