ترامب لن يعترف بهزيمة الانتخابات النصفية، ولن يفهم أن الأرض اهتزت تحت قدميه
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- البث الإعلامي الليلي للانتخابات النصفية في الولايات المتحدة أمس (الثلاثاء) تضمن قدراً كبيراً من الصعود والهبوط، ومن الدراما والتقلبات، لكن المحصلة هي الحاسمة: الولايات المتحدة استفاقت هذا الصباح على فجر يوم جديد. وبالنسبة إلى الديمقراطيين ما جرى هو بمثابة الخروج من الظلمة إلى النور، ومن العبودية إلى الحرية. فبعد عامين من العويل العقيم فوق المنابر، عاد الديمقراطيون إلى اللعب في ملعب الكبار، وراءهم مجلس النواب، المؤسسة الثانية للسلطة من حيث القوة بعد الرئيس. النتيجة بحد ذاتها لم تكن مفاجئة. فقد كان هناك إجماع واسع بين استطلاعات الرأي والمعلّقين على أن الديمقراطيين سيفوزون بمجلس النواب، والجمهوريون سيحتفظون بمجلس الشيوخ. طبعاً، الديمقراطيون مسرورون، لكنهم كانوا يحلمون بأكثر من ذلك في قرارة أنفسهم.
- في نهاية الحساب، الذي منع حدوث ذلك، وأجبر الديمقراطيين على الاكتفاء بإنجاز مهم، هو فقط دونالد ترامب، بأساليبه الملتوية والفعّالة القائمة على الترهيب والتحريض. يعتقد كثير من الجمهوريين أن الخط المتشدد الذي انتهجه ترامب ومحاولته المكشوفة تحويل المهاجرين من أميركا اللاتينية إلى كائن مخيف، هما اللذان دفعا في نهاية الأمر عدداً من الديمقراطيين إلى التوجه الى صناديق الاقتراع أكبر من عدد الجمهوريين. ربما هذا صحيح، لكن لولا النار التي أججها ترامب في وسطهم لكان الجمهوريون بقوا في منازلهم، ولكان حزبهم مُني بهزيمة مزدوجة ومضاعفة.
- لقد زادت الانتخابات من حدة الخطوط التي تبيّن الاستقطاب السياسي العميق الذي يغير بسرعة الخريطة السياسية في الولايات المتحدة. لقد اقتلع الديمقراطيون الجمهوريين من الجيوب التي كانت لهم في الولايات التي تميل إلى مصلحة الديمقراطيين، مثل نيويورك، وبنسلفانيا، ونيوجيرسي، إلينوي، وربما في جيب أورانج كونتي في كاليفورنيا، المعروف بمحافظته. والمقصود بصورة عامة هو الضواحي المرتاحة نسبياً التي يعيش فيها جمهوريون معتدلون، وخصوصاً من النساء الجمهوريات المعتدلات اللواتي انضممن إلى نساء وشبان وأبناء أقليات تجندوا بصورة غير مسبوقة من أجل هزم رئيسهم.
- في المقابل، يتحصن الجمهوريون في الولايات المتحدة الداخلية، وينظرون بصورة أساسية إلى أنفسهم. ترامب، كما هو متوقع، أعلن انتصاراً ساحقاً، لأن شخصاً مثله لا يسمح للوقائع بأن تشوّشه. في صناديق الاقتراع برزت، طبعاً، أسماء مرشحين محليين، لكن صورة الرئيس كانت مرفوعة فوقها كلها، وهو الذي اندفع إلى وسط الصورة. لقد كانت الانتخابات النصفية على الدوام أيضاً تعبيراً عن عدم الثقة بالرئيس، لكنها كانت هذه المرة كذلك أكثر من أي وقت مضى. نحو 55% غير راضين عن الرئيس، ويعتقد 56% أن الولايات المتحدة لا تسير في الطريق الصحيح والموضوع الأساسي الذي يقلق الأميركيين هو التأمين الصحي، الذي يتماهى معه الديمقراطيون، ويجب على الجمهوريين أن يشكروا ربهم على أن الضربة التي تلقوها لم تكن أقسى بكثير.
- لكن ترامب كعادته لن يعترف بالهزيمة، ولذلك لن يستخلص دروساً منها. ومع ذلك، سيكتشف لاحقاً أن الأرض تزحزحت من تحته. بعد عامين من الحكم النزق والأحادي تقريباً، حوّل خلالها الكونغرس إلى هيئة صورية، وحوّل حزبه إلى ممسحة، سيلتقي ترامب في كانون الثاني/يناير المقبل مع خصم قوي وخطر توّاق إلى الانتقام ومتعطش لخوض المعركة. إن مجلس نواب ديمقراطي، وخصوصاً إذا ترأسته نانسي بيلوسي الحقودة، هو كابوس للجمهوريين. من دون مجلس النواب لا مال: الإدارة ستصبح مشلولة، الأبواب ستغلق، وممنوع أن يدخل أحد ويخرج من دون التوصل إلى تسوية حقيقية، من النوع الذي يكرهه ترامب.
- لقد جاء إلى الحي "شريف" Cherif جديد، وهو ينتظر ترامب على الزاوية. فإذا تجرأ على تخريب التحقيق مع روبرت ميلر، مثلاً، سيصب الديمقراطيون جام غضبهم عليه. وبدلاً من أعضاء كونغرس خانعين، مثل الرئيس الحالي للجنة الاستخبارات في مجلس النواب ديفيد نونز الذي غطى ترامب وحاول عرقلة التحقيق الذي يقوم به مولر، سيواجه ترامب أدام شيف الذي نجح في إغضابه في العامين الأخيرين حتى من دون أن تكون لديه صلاحيات. شيف وزملاؤه سيحصلون في كانون الثاني/يناير على صلاحيات عقد جلسات استماع ودعوة شهود والمطالبة بوثائق، وإجراء تحقيقات، وإصدار أوامر اعتقال، والطلب من ترامب الكشف عن تقارير ضريبة الدخل التي يخفيها. وهذا تهديد مباشر وفعلي للرئيس ترامب سيؤثر من الآن فصاعداً في كل خطواته.
- ستُعتبر نتائج الانتخابات في أماكن مختلفة من العالم كبشرى حقيقية. إلى روضة الأطفال الفوضوية لإدارة ترامب سيصل قريباً شخص ناضج مسؤول. للأوروبيين والكنديين، مثلاً، سيكون هناك من يتحدثون معه. في إسرائيل طبعاً سيأسفون على تفكك المثلث المتجانس بين الرئيس، ومجلس الشيوخ، ومجلس النواب، المؤلف من مؤيدين لبنيامين نتنياهو ومعجبين بشيلدون أدلسون، وبالطبع سيظهر الآن مثيرون للهلع يحذرون من اليسار المعادي لإسرائيل الراديكالي المسيطر على الحزب الديمقراطي بمساعدة منظمة الجي ستريت، والصندوق الجديد وجورج سوروس.
- عملياً، من الصعب الافتراض أن شيئاً سيتغير ضد مصلحة نتنياهو وحكومته. صحيح أن هامش حرية الرئيس سيصبح أضيق، ومن المحتمل أن تُسمع أصوات انتقادات أقوى ضد أعمال إسرائيل في غزة والمناطق. لكن مع قيادة ديمقراطية تضم مؤيدين لإسرائيل بارزين مثل أدام شيف، ونيتا لفاي، وإليوت أنجيل وجيري ندلر، فإن الإسلاميين الذين سيسيطرون على الحزب سيكون عليهم الانتظار وباستطاعة نتنياهو أن ينام مطمئن البال. من المحتمل أن تكون إسرائيل تحديداً أحد الموضوعات النادرة التي سيصل الطرفان إلى اتفاق بشأنها، وسيأتي الخلاص لصهيون.
- كل شيء يعتمد الآن على رد الرئيس على الوضع الجديد الناشىء. يمكن الافتراض أن ترامب سيفضل الدخول في مواجهة مع الكونغرس لأن هذا هو أسلوبه، وكي يقوي موقعه قبيل ترشحه في سنة 2020. لكن من المحتمل جداً أيضاً أن يقرر التعاون مع مجلس النواب الديمقراطي، لأنه ليس محافظاً حقيقياً. ربما لم يتغير شيء، على الرغم من الانقلاب في الكونغرس.