المعركة بين الحروب: هي لإبعاد الحرب المقبلة قدر الممكن
تاريخ المقال
المصدر
- الكشف عن مهاجمة إسرائيل أكثر من 200 هدف في سورية يجب ألاّ يُفاجىء الجمهور الإسرائيلي. منذ حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006] تبلور في المؤسسة الأمنية فهم بأن إضعاف التنظيمات غير الدولتية من حولنا مرتبط ارتباطاً مطلقاً بالقدرة على منعها من زيادة قوتها. هذا الجهد الذي يُطلَق عليه اسم معركة بين الحروب، يظهر اليوم في كل ما يتعلق بحزب الله وإيران، لكنه أوسع من ذلك بكثير.
- حرب لبنان الثانية، واتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقِّع في نهايتها وضع إسرائيل أمام معضلة. من جهة، الإدراك أن الحرب ضد تنظيم إرهابي تختلف عن الحرب ضد جيش نظامي، بشأن كل ما يتعلق بتفكيك منظومة لا مركزية من النمط الذي يستخدمه حزب الله في لبنان، والتي تتضمن منظومة متعددة المكونات تعمل بصورة مستقلة على مستوى القرية كموقع عسكري، وقادرة على إطلاق مئات الصواريخ والقذائف في اليوم.
- ومن جهة أُخرى، القرار 1701 الذي يمنع تسلح حزب الله تآكل منذ اللحظة الأولى، سواء لأن إيران تسعى لتعظيم قوة الحزب كأداة ردعية، أو بسبب ضعف قوات اليونيفيل، التي لم تنجح في تطبيق جوهر القرار.
- لقد كان على إسرائيل أن تقرر: هل تخوض حرباً إضافية أو تعمل بصورة مختلفة؟ والفكرة التي تبلورت هي شن معركة تهدف إلى توجيه ضربة قاتلة إلى تعاظم القوة العسكرية للتنظيمات التي تحيط بنا، حزب الله و"حماس"، وغيرهما.
- يتطلب هذا الجهد معلومات استخباراتية متواصلة وقدرة على القيام بعمليات جراحية دقيقة، تعتمد في الأساس على قوات الجو. هذه المعركة حددت مناطق اهتمام مختلفة للعمل منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
- بهذه الطريقة تحاول إسرائيل المس بعدد من التوجهات: التزود بسلاح ووسائل قتالية، وبقواعد وبنى تحتية متقدمة وأيضاً المس بميليشيات مسلحة منتشرة في منطقة يمكن أن تهدد حدودنا. وليس من المستبعد أن يكون لهذا الجهد شركاء أيضاً في دول أخرى في المنطقة يساهم كل منها بحسب مزاياه النسبية. بهذه الطريقة ينجح الجيش في تقليص التوجه لتسليح وتحصين التنظيمات وفي ردعها، والمسّ بطول نفسها وقت الحرب.
- إن التوجه الإيراني نحو الهيمنة على الشرق الأوسط هو الأكثر إقلاقاً وتهديداً. كما قلنا القرار 1701 لم يمنع حزب الله من تعظيم قوته ومن خلق تحدٍّ على الحدود مع لبنان، ونشوء وضع مشابه على الحدود السورية هو أمر لا يُحتمل، ومن الواضح أن هذا ما تدركه المؤسسة الأمنية، ومن هنا فإن الجهد المركزي المبذول في استخدام القوات وعدد الهجمات التي كُشف عنها اليوم، هو الذي تستند إليه المعركة بين الحروب.
- لهذه الحرب هدف إضافي هو إبعاد الحرب المقبلة قدر الإمكان، في الوقت الذي يستعد الجيش الإسرائيلي ويتسلح ويتدرب ويبني عقيدة قتالية وقدرات تآكلت وكادت أن تختفي قبل سنة 2006.
- الجيش الإسرائيلي وصل اليوم إلى نقطة لا مجال لمقارنتها بالفشل الذريع الذي حدث في حرب 2006. ورئيس الأركان محق في حديثه عن مستوى جاهزية مختلف منذ ذلك الوقت، فقد تقدمنا كثيراً في هذه المسائل.
- مع ذلك يجب أن نفهم أن كل "لدغة" في سورية كان يمكن أن تحدث في ظل الفوضى التي سادت المنطقة منذ نشوب الحرب الأهلية في نهاية 2011. لقد كان الأسد مضطراً إلى تركيز جهوده ضد المتمردين، ولم تكن لديه "رفاهية" مواجهة مع هجمات إسرائيل في أراضيه.
- هذا الوضع سيتغير في وقت قريب، مع استقرار سورية في الأشهر الأخيرة، وقرب انتهاء المعارك هناك. ويجب التذكير في هذا السياق بأن السوريين صعّدوا ردودهم ضد هجمات الجيش الإسرائيلي، ورأينا ذلك من خلال إطلاق القذائف والصواريخ المضادة للطائرات في اتجاه أراضي إسرائيل.
- السؤال المهم المطروح هنا هو: هل هذا الجهد الموجّه في الأساس ضد تمركز ميليشيات شيعية - إيرانية في سورية سيدفع الإيرانيين إلى الابتعاد والامتناع من التدخل في الحدود السورية؟
- إيران اليوم موجودة بين المطرقة والسندان: العقوبات الأميركية، والأزمة الاقتصادية الحادة. وهذه الظروف يمكن أن تدفع في اتجاهين: تصعيد مستمر، أو وقف جهود تعاظم القوة العسكرية عدة سنوات. وكما هو معروف عن الإيرانيين، فإنهم لا يتنازلون بسهولة.
- والنتيجة هي أن استمرار المعركة بين الحروب في أنحاء سورية، في ضوء استقرار الأسد، يرفع مستوى خطر تدهور المنطقة نحو حرب في الشمال. وفي مثل هذا الوضع تعلمنا أنه لا سلاح الجو ولا قوات خاصة سينقذانا.
- وحده سلاح بر مدرب وفتاك وحاسم سيردع حرباً، وسينتصر فيها إذا حدثت. لقد أعلن رئيس الأركان أن سلاح البر مستعد أكثر من أي وقت مضى. في مواجهة هذا الكلام هناك انتقادات مفوض الشكاوى في الجيش اللواء بريك يدّعي أن الوضع هو عكس ذلك إلى حد يدعو للقلق.
- على أي حال، سيكون مطلوباً من الجيش درجة عالية جداً من الجاهزية ما دامت المعركة بين الحروب مستمرة، وعلى ما يبدو فإنها لن تتوقف.