بعد خطة الانفصال عن غزة، معادلة المخاطر والأثمان الملازمة لأي قرار بشأن عمل عسكري داخل القطاع أصبحت معقدة جداً
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

•يقول العرب إنه "ليس في الإمكان أبدع مما كان". في ضوء هذا، يجدر بنا التمعن في الصدامات العنيفة التي تجددت على طول منطقة الحدود مع قطاع غزة منذ الربيع الأخير والعثور فيها على بُعد إيجابي أيضاً. في واقع الاحتكاك الدائم، أُتيحت لدولة إسرائيل فرصة إضافية أُخرى لإعادة النظر في الفرضيات الأساسية التي تقف أمام حل الدولتين. 

•منذ ولاية إيهود باراك في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، ومع إنجاز الانسحاب من الجنوب اللبناني [2000]، تكرست الفرضية القائلة إن الانفصال الجغرافي بين اليهود والفلسطينيين هو مصلحة إسرائيلية. وقد ترسخ لدى القيادة الإسرائيلية الفهم أن خطوة كهذه حيوية جداً، حتى وإن لم تكن في إطار تسوية سلمية. ووعد هؤلاء القادة بأن الدينامية التي ستنشأ في إثر تحقيق الفصل الجغرافي، بما في ذلك إخراج اليهود من المنطقة وبناء جدار واعتماد نظام صارم على الحدود، ستوجد واقعاً أمنياً أفضل. 

•يمكننا الآن، بعد 13 سنة من تنفيذ خطة الانفصال عن قطاع غزة، فحص الوضع بصورة مقارنة، كما في تجربة مخبرية تقريباً، لنتبيّن أين نشأ الواقع الأمني الأفضل: في قطاع غزة، الذي تحقق فيه الانفصال التام، أو في مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، التي تحقق فيها ـ وفقاً لمفهوم رئيس الحكومة السابق يتسحاق رابين ـ فصل جزئي فقط؟ 

•يجب أن نتمعن في الفارق الذي تطور بين الحيزين، اليهودي والفلسطيني، وأن نفحص أين تتاح للجيش الإسرائيلي ولجهاز الأمن العام ["الشاباك"] حرية أكبر في العمل؟. منذ عملية "السور الواقي" العسكرية [العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية بين آذار/ مارس وأيار/ مايو 2002]، تجري في كل ليلة، كإجراء روتيني ثابت، عمليات ذات طابع هجومي في عمق المدن ومخيمات اللاجئين في يهودا والسامرة لمحاربة الإرهاب. وهي تجري تحت قيادة المنطقة العسكرية الوسطى وجهاز "الشاباك"، ضمن السياسة الموجهة وطبقاً لها، من دون الاضطرار إلى إجراءات التصديقات الخاصة من القيادة السياسية. إن حرية العمل هذه، إلى جانب عوامل إضافية أُخرى، تضمن الاستقرار الأمني النسبي المتحقق في أنحاء يهودا والسامرة. 

•لنتخيل مثلاً أن الطائرات الورقية الحارقة والبالونات المشتعلة تُطلق من حي صور باهر في القدس صوب حي [مستوطنة] هار حوما [جبل أبو غنيم]. في مثل هذه الحالة، كان الجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية سيدخلان بسيارتيْ جيب ويضعان حداً فورياً لهذا الحدث. أمّا في قطاع غزة، فهذا غير ممكن. في واقع الفصل الحيزي المطلق والنظام المعتمد على الحدود، والذي تم تكريسه في إثر خطة الانفصال في صيف سنة 2005، خسر الجيش الإسرائيلي حريته في العمل ما وراء الحدود. لا يعني هذا أن الجيش أُصيب بالضعف أو بالتراجع، وإنما في الظروف التي نشأت، ومع تشكُّل "حماس" كمنظومة عسكرية مسلحة جيداً، أصبح ثمة ثمن استراتيجي مستحق لأي عملية هجومية ينفذها الجيش الإسرائيلي. أي أنه على الرغم من فاعلية منظومة "القبة الحديدية"، لا يزال سلاح القذائف المتوفر في حيازة "حماس" يشكل تهديداً جدياً لمجرى الحياة الطبيعي في إسرائيل، كما يشكل عاملاً وازناً في خلفية أي قرار يخص تفعيل الجيش الإسرائيلي هناك. فالقوة العسكرية لا تقاس بقدرة الجيش المادية على العمل فقط، إنما أيضاً بمدى قدرة صناع القرار على اتخاذ القرار باستخدامه وتفعيله. وليس سراً أن معادلة المخاطر والأثمان، التي تصاحب أي قرار بشأن عمل عسكري في داخل قطاع غزة، أصبحت معقدة جداً.      

•يجدر بنا أن نعرف أن الجدار الحدودي يمنح العدو أيضاً امتيازات وأفضليات. صحيح أنه يساعد قواتنا في جهودها الرامية إلى منع عمليات التسلل، لكنه - بصورة موازية - يساعد الخصم أيضاً في مساعي التعاظم وتنظيم صفوفه بصورة آمنة، وراء الجدار. وقد نجحت حركة "حماس"، برعاية الفصل، في بناء قوة عسكرية منظمة، في كتائب وسرايا، غنية بسلاح القذائف وتدعمها منظومة قيادة وتحكم على درجة عالية من الكفاءة والنجاعة. وهذا كله لم يكن في الإمكان بناؤه وحفظه لولا التطبيق الكامل والتام لفكرة "هم هناك ونحن هنا". هنا يكمن الفارق بين تنظيم "حماس" في قطاع غزة المفصول وراء الجدران، وبين صعوبات هذا التنظيم في يهودا والسامرة. 

•إن هذه السيرورة التي بدأت وتطورت في قطاع غزة منذ الانفصال تدحض إذاً ثلاث فرضيات أساسية طُرحت في معرض النقاشات الأمنية الإسرائيلية كمُسلمات مفروغ منها، وهي: 1. أن مجرد الانفصال وتقليص الاحتكاك في الميدان سيوجدان واقعاً جديداً ينحو نحو الاستقرار؛ 2. أنه إذا نشأ صدام عنيف، فمن شأن تفوق الجيش الإسرائيلي في ميدان القتال إعادة الوضع إلى نصابه من دون الدخول في تحدٍّ عملاني جدي؛ 3. أنه بعد الانسحاب، ستحظى أي عملية عسكرية بالدعم والتأييد غير المشروطين، من دون أي تحفظ، وبالشرعية الدولية أيضاً. 

 

•هذه الفرضيات كلها تحطمت على أرض الواقع في قطاع غزة. وهذه هي فقط بعض الاعتبارات التي يجب النظر إليها بتمعن والدفع نحو رفض اعتماد إجراءات مشابهة في مناطق يهودا والسامرة والقدس.