الأزمة الاقتصادية في الأردن ليست منفصلة عن سياساته الخارجية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•هذا الأسبوع أقال الملك الأردني رئيس الحكومة غير الشعبي هاني الملقي، أو كما قيل "قبِل استقالته"، وعيّن مكانه عمر الرزاز، الذي كان وزيراً للتعليم، ويحمل شهادة دكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد، ودكتوراه ثانية من معهد MIT. وهو شخصية رصينة واقتصادي مشهور، ولقد عُيّن في منصبه بسبب علاقته الوثيقة بالملك بالإضافة إلى مؤهلاته.

•لكن هذا التعيين لا يرضي رؤساء النقابات المهنية، الذين أعلنوا الاضراب وقادة الاحتجاج  ضد قانون الضرائب. زعيمهم د. علي العباس، رئيس اتحاد النقابات ورئيس نقابة الأطباء حاول أن يعطي الحكومة مدة أسبوع حتى تأليف الحكومة الجديدة، قبل أن تصعّد النقابات الاحتجاج. لكن الاقتراح رُفض بغضب خلال اجتماع رؤساء النقابات. أحد المشاركين في الاجتماع قال: "تعيين الرزاز هو استخفاف بالاحتجاج. لا يمكن لرئيس الحكومة المعيّن أن يأتي من الحكومة التي نطالب برحيلها. لا يجب أن يكون أي عضو من الحكومة المستقيلة في الحكومة الجديدة".

•إقالة الحكومة وحل البرلمان هما بين المطالب التي يرفعها قادة الاحتجاج. ويبدو أن هذا سهل التحقيق كما أثبت الملك عندما عيّن الرزاز.والسؤال المطروح هو: هل هذه الخطوة، التي رأينا مثلها في الأردن مرات لا تحصى سواء خلال فترة حكم الملك حسين، وخلال فترة حكم ابنه المستمر منذ 19 عاماً، تكفي لإعادة المتظاهرين إلى منازلهم. عضو البرلمان البارز أمجد هزاع المجالي، ابن رئيس الحكومة الأسطوري الذي اغتيل سنة 1960، نشر أول أمس رسالة حادة أوضح فيها أن الاحتجاج والتظاهرات لا يحدثان فقط على خلفية قانون الضرائب الجديد الذي يخفض الشريحة الضريبية الأولى  إلى نحو 11 ألف دولار في السنة، ويزيد الضريبة على دخل الشركات إلى 40%- زيادة معناها ارتفاع في تكلفة الاستهلاك الفردي. وجاء في هذه الرسالة "تعبّر التظاهرات عن رفض الجمهور المجموعة الغريبة المسيطرة التي لا تؤمن بالعلاقات الحقيقية وبالفكر الوطني، ولا تهتم بغير استغلال الفرص لتحقيق النفوذ والسيطرة الكاملة على مقاليد الحكم... هذه المجموعة دمرت جميع إنجازات الشعب التي حققها أبطال الشعب في الماضي".

•يسمي المجالي هذه المجموعة الغريبة باسم "الليبراليون الجدد". وفي رأيه يدير أفراد هذه المجموعة الدولة كأنها شركة أعمال، همّها هو البيع والشراء، وكل هدفها هو "المسّ بقوة البرلمان ورئيس الحكومة ومكانة الدولة". يقدم المجالي 12 طلباً في رسالته بينها طرد "الليبراليين الجدد" ومحاربة الفساد، وإعادة المال المسروق من الدولة، وإقامة دولة المؤسسات وليس دولة النخب، وتعزيز البرلمان. 

•الأزمة الاقتصادية التي فرضت على الحكومة تبني خطة اقتصادية متشددة ليست منفصلة عن السياسات الخارجية للأردن الذي يحاول قيادة المملكة وسط حقل من الألغام المتحركة. على سبيل المثال، اضطر الأردن إلى طلب قرض مقداره 723 مليون دولار من صندوق النقد الدولي بعد توقف السعودية عن تقديم المساعدة التي تمنحها. في 2015 حصل الأردن على مساعدة سعودية  قدرها 473 مليون دولار، في 2017 خفضت المساعدة إلى 165 مليون دولار، وهذه السنة كان من المنتظر وصول 250 مليون دولار لكن المبلغ لم يصل.

•يعود السبب إلى الخلاف القوي بين الأردن والسعودية إزاء مسألة العلاقات مع قطر. تطالب السعودية الأردن الانضمام إلى  قرار مقاطعة قطر الذي فرضه جزء من دول الخليج قبل عام. في البداية وافق الأردن على خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي لكنه لم يقطع العلاقات مع قطر، ثم عاد ورفع مستوى العلاقات. لم يستطع الأردن ابتلاع الضغط السعودي، وخصوصاً بعد أن عبّرت السعودية عن نيّتها في أن تأخذ من الأردن رعايته الأماكن المقدسة في القدس، بخلاف ما جاء في اتفاق السلام مع إسرائيل. 

•صحيح أن السعودية أوضحت أن موقفها لا يزال على حاله وأن القدس الشرقية هي عاصمة فلسطين. لكنها لم تُشر بوضوح إلى الرعاية الأردنية للأماكن المقدسة. كما طلبت السعودية في الماضي من الأردن مهاجمة نظام الأسد كجزء من مساهمته في الائتلاف العربي، وأن يتدخل في حرب اليمن أيضاً إلى جانب السعودية. الأردن أرسل ست طائرات كمساعدة في الحرب الدائرة في العراق ورفض مهاجمة سورية. 

•هل سينجح الملك عبد الله في اجتياز هذه الأزمة بنجاح، بعد نجاحه في إنقاذ مملكته من خطر ثورات في الربيع العربي؟ ما دام الاحتجاج يتحرك بشأن موضوع اقتصادي معين مثل قانون الضرائب، وبشأن موضوع سياسي محصور يطالب باستقالة الحكومة، فإن الملك قام بما هو مطلوب. فقد أقال الحكومة، وطلب من رئيس الحكومة الجديد "إعادة النظر"  في قانون الضرائب. إن رفع الأجور هو أيضاً وسيلة معروفة يمكن أن تهدىء النفوس. وإذا قررت السعودية الإفراج عن عدة مئات ملايين الدولارات ووافقت الإدارة الأميركية على زيادة مساعداتها، فإن هذا سيساعد بالتأكيد. ما ليس واضحاً إذا كانت هذه التظاهرات ستتحول إلى ظاهرة سياسية بعيدة المدى وستطالب بإصلاحات سياسية مهمة تشمل الانتقال إلى مملكة قانونية بصورة تتقلص فيها صلاحيات الملك.