•يبدو أن ما بات يعرف باسم "إرهاب الطائرات الورقية" يلخص إلى حد كبير جوهر المواجهة المندلعة بين إسرائيل وحركة "حماس" في منطقة الحدود مع قطاع غزة منذ أكثر من شهرين.
•ويمكن القول إنه بواسطة أعمال شغب عنيفة، ومحاولات اختراق السياج الأمني، والطائرات الورقية الحارقة - وهي كلها وسائل بسيطة بعيدة عدة سنوات ضوئية عن القدرات التكنولوجية الهائلة للجيش الإسرائيلي - تضع حركة "حماس" أمام إسرائيل تحدياً معقداً من الناحيتين السياسية والعسكرية.
•ويتسبب سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف الفلسطينيين، خلال التظاهرات التي تقام في منطقة السياج الأمني المحيط بالقطاع، بتصاعد حدّة الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل في أنحاء العالم، إذ إن الرأي العام العالمي لا يهتم كثيراً بحقيقة أن معظم القتلى هم من عناصر "حماس" وأن هذه الحركة هي التي تقف وراء "إرهاب الطائرات الورقية".
•كما أن إلغاء منتخب الأرجنتين مباراته الودية مع منتخب إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى تداعيات أُخرى. وعلى الرغم من أن "حماس" لا تقف وراء هذه الخطوة، فمن شأنها أن تشكل دعماً لاستمرار أعمال الشغب العنيفة.
•وفي الأيام الأخيرة اكتسب "إرهاب الطائرات الورقية" زخماً كبيراً، وأصبح يؤثر في مشاعر الأمن السائدة في صفوف سكان المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، فضلاً عن الأضرار الاقتصادية الناجمة عنه. كما أنه تسبب بازدياد حدّة النقد العام لسياسة الحكومة والجيش الإسرائيلي، إلى حد اتهامهما بالعجز عن إيجاد حل له.
•لو كان أحد ما سأل المهندسين في "رافائيل" [سلطة تطوير الوسائل القتالية] قبل عدة أشهر عما إذا كانوا يخططون لتطوير قدرات تكنولوجية لإسقاط طائرات ورقية، لكانوا اعتقدوا أن السؤال هو بمثابة مزحة في أفضل الأحوال، وفي أسوئها كانوا يوجهونه إلى أقرب مستشفى للأمراض العقلية.
•على الرغم من المعطيات التي عرضها وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان [رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"] هذا الأسبوع، وذكر فيها أن الجيش الإسرائيلي يُسقط 70% من الطائرات الورقية، فإن الواقع الميداني بعيد جداً عن هذا التقويم.
•وفي الأسابيع الأخيرة جرت نقاشات في هذا الشأن في الجيش الإسرائيلي وفي المؤسسة السياسية. وخلال ذلك نوقشت مسألة مهاجمة الأشخاص الذين يطلقون هذه الطائرات من الجو، مثلما تتم تصفية الخلايا التي تطلق القذائف الصاروخية. وفي جزء من الحالات نجح الجيش في تحديد مطلقي الطائرات الورقية، فالحديث لا يدور حول مهمات استخباراتية صعبة، وخصوصاً أن عملية الإطلاق تتم بشكل علني وفي وضح النهار. وفي معظم الحالات فإن من يطلق هذه الطائرات هم مجموعة من الفلسطينيين، جزء منهم فتيان.
•لكن يبقى السؤال ليس تحديد مطلقي الطائرات وتصفيتهم، بل إذا كان يجدر القيام بهذا. ويعتقد المسؤولون في المؤسسة الأمنية أن المساس بمطلقي الطائرات الورقية سيؤدي فوراً إلى التصعيد وإطلاق القذائف الصاروخية. وتشهد على ذلك حقيقة أنه على الرغم من موجة الحرائق الأخيرة، فإن إسرائيل امتنعت من مهاجمة مواقع "حماس"، حتى وإن بصورة رمزية.
•بطبيعة الحال يمكن مناقشة هذه السياسة إذا كانت صحيحة أم لا، لكن أمراً واحداً يبدو واضحاً: حتى لو كان هذا هو موقف المؤسسة الأمنية، فإن القرار النهائي هو بيد الحكومة. وعندما يطالب وزراء الحكومة الجيش الإسرائيلي بمهاجمة خلايا إطلاق الطائرات الورقية، فهم يدركون في قرارة نفوسهم أن رئيس الحكومة قرر التصرف على نحو مغاير. لكن من السهل دائماً توجيه إصبع الاتهام إلى الجيش. ومثل هذا السلوك يسمى شعبوياً.
•ولا شك في أن "حماس" تستوعب جيداً أن إسرائيل ليست معنية بتصعيد الأوضاع الأمنية في منطقة الحدود مع غزة، ومع ذلك فإنها اختارت شد الحبل حتى أقصاه. وما يجب قوله هو أن هناك حدوداً لسياسة الانضباط الإسرائيلية. غير أنه في حال حدوث أي تغيير في موقف إسرائيل والانتقال إلى سياسة الهجوم، فإن هدف أي هجوم كهذا سيكون نوعياً وليس خلايا إطلاق الطائرات الورقية.