•يوم الخميس قبل أسبوعين، قرر قضاة محكمة العدل العليا نوعام سولبرغ، وأنيت بارون، وياعل فيلنر السماح للدولة بهدم البلدة الفلسطينية خان الأحمر وطرد سكانها إلى موقع قريب من مكب النفايات في أبو ديس. 32 عائلة، 173 شخصاً و92 طفلاً كلهم طُردوا. جميع المباني، بينها مدرسة كان يدرس فيها أكثر من 150 ولداً من خان الأحمر ومن القرى الفلسطينية المجاورة ستُهدَم.
•خان الأحمر هي واحدة من عشرات التجمعات الفلسطينية التي تعيش في ظل خطر الطرد. وقريباً على ما يبدو سيصبح أيضاً سكانها بصورة رسمية تجمعاً مطروداً. وهو الأول منذ سنوات عديدة، الذي سيطرد بكامله بالقوة إلى عمق الجيب الذي أوجدته الحكومة لرعاياها الفلسطينيين في الضفة. مثل هذا الطرد هو تقريباً خطوة غير مسبوقة، لكن عملياً تطبّق إسرائيل بصمت سياسة الطرد من المنطقة ج منذ سنوات. لذا يجب فحص جريمة الحرب الوشيكة في خان الأحمر بصفتها الحادثة الأخطر في أسلوب الطرد اليومي الذي تطبقه إسرائيل على سكان التجمعات الفلسطينية في المنطقة ج كلها.
•إن آلية الطرد الصامت بسيطة: تمنع الدولة السكان من الالتحاق بالبنى التحتية الأساسية مثل شبكة المياه والصرف الصحي والكهرباء. وتمنعهم من البناء بصورة قانونية، وتهدم المنازل التي اضطروا إلى بنائها من دون رخصة، وتهدم البنى التحتية التي أنشؤوها بأنفسهم (مثل ألواح الطاقة الشمسية، ومنشآت المياه والطرق)، وتُجري تدريبات عسكرية تشمل إطلاق نيران رشاشة وقذائف حية على أراضٍ زراعية ومراعٍ وعلى منازل السكان أنفسهم.
•وكما يجري في دير الأحمر لا توفر الدولة مؤسسات التعليم: ففي السنة الأخيرة هدمت الإدارة المدنية مدرستين وروضة أطفال في جب الديب الواقعة في بيت لحم، وفي جبل - البابا في منطقة معاليه أدوميم، وفي خربة زنوته جنوبي جبل الخليل، وتركت 139 تلميذاً من دون إطار تعليمي. حالياً يوجد 45 مدرسة في المنطقة ج تحت خطر الهدم الكامل أو الجزئي.
•إن فلسطينيي المنطقة ج بأغلبيتهم الساحقة، أي 60% من سكان الضفة الغربية الذين تستغلهم إسرائيل كما لو كانوا تابعين لها، لا يستطيعون البناء بصورة قانونية بسبب عدم وجود مخططات هيكلية، لا تنزل من السماء، وإنما هي خاضعة لموافقة الإدارة المدنية (التي لا توافق عليها). النقاش في محكمة العدل العليا بشأن مستقبل بلدة خان الأحمر انطلق من الافتراض أن سكان البلدة هم خارجون عن القانون بنوا منازلهم بصورة غير قانونية، لكن ليس للفلسطينيين في الضفة الغربية خيار البناء القانوني خارج الجيب الضيق الكثيف سكانياً الذي خصصته الدولة لهم. والخطط الهيكلية التي يقدمها السكان بأنفسهم تُرفض مرة تلو الأُخرى، وعندما يبنون، لعدم وجود خيار آخر، إسرائيل تهدم.
•بكلام آخر، الدولة تجعل الحياة اليومية للسكان مستحيلة كي يغادروا من تلقاء أنفسهم، وبإرادتهم. وفي الواقع فإن جميع هذه الأفعال هي جزء من سياسة مقصودة هدفها طرد السكان الفلسطينيين في المنطقة ج، وبناء (توسيع) المستوطنات الموجودة هناك. نظرياً هي سياسة غربية ليبرالية وعملياً هي سياسة ترحيل صامت.
•إذا رجعنا إلى الوراء وتمعنّا بالسياسة الإسرائيلية في المناطق [المحتلة] منذ اتفاق أوسلو، تظهر صورة واضحة. تحاول إسرائيل تركيز الفلسطينيين في جيوب صغيرة بقدر الإمكان، والسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض، من خلال عملية مزدوجة: للفلسطينيين، خلق ظروف حياة غير محتملة تدفعهم إلى الترانسفير الطوعي، ولليهود، إقامة مستوطنات وتوسيعها.
•فكّروا فيما يلي: لا وجود لبنى تحتية، ولا لمياه جارية، ولا لشبكة كهرباء، ولا لأطر تعليمية للأولاد، والحياة تجري تحت صفير قذائف الدبابات التي تتدرب، وفي هذه الأثناء تهدم الدولة المباني والبنى التحتية الأساسية التي بُنيَت على الرغم من هذا كله. هل يمكن أن تبقوا في أماكنكم؟
•على الرغم من أن إسرائيل تطبّق سياسة الترانسفير الصامت منذ سنوات، فإن الإجلاء القسري لسكان خان الأحمر إلى مكب النفايات في أبو ديس، يشكل تصعيداً مذهلاً. لا محاولات إقناع بعد اليوم، ولا ترحيلاً طوعياً ظاهرياً، بل طرد قسري، فاضح، عنيف وأمام أعين الجميع. لا يمكن معرفة كيف سيؤثر هذا القرار في سائر التجمعات الفلسطينية في المنطقة ج، لكن التضافر بين الحافز الإسرائيلي لتسريع مشروع النهب، وبين الضوء الأخضر من محكمة العدل العليا فيما يتعلق بخان الأحمر، لا يبشر بالخير بالنسبة إلى الخطوات القانونية المقابلة التي يقوم بها سكان خربة أم الجمل وخربة عين الحلوة شمال وادي الأردن؛ وسكان أبو النور، وجبل - البابا في منطقة معاليه أدوميم، وسكان سوسيا وكل المنطقة الواقعة جنوبي جبل الخليل.
•في النهاية يتحمل مسؤولية تطبيق هذه السياسة المجرمة، سواء من خلال تطبيقها بصورة تدريجية طوال سنوات، أو دفعة واحدة في خان الأحمر وفي أماكن أُخرى، الذين وضعوها: رئيس الحكومة، ووزير الدفاع، ورئيس الإدارة المحلية. والانضمام العلني لقضاة محكمة العدل العليا لتأهيل الجريمة هو وصمة عار على الجهاز القضائي الإسرائيلي، ويضع على عاتقه مسؤولية تطبيق الهدم والنهب والترحيل القسري.