التقديمات الاقتصادية لن تحمل الاستقرار إلى غزة
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.

– Perspectives Paper، العدد 857
المؤلف

•يدّعي العديد من الخبراء أن تقديم تسهيلات اقتصادية إلى غزة، وخصوصاً إعطاء الغزاويين أذونات عمل في إسرائيل، هو السبيل إلى تحقيق الاستقرار السياسي في قطاع غزة الذي تحكمه حركة "حماس".

•هذا ادعاء باطل. ولكي نفهم لماذا هو كذلك، يجب مراجعة خطة مارشال في أوروبا، إحدى أنجح الأمثلة في التاريخ التي تبيّن التقديمات الاقتصادية عملية تحوّل عدو مدمر إلى حليف قوي وصحي. لقد أصبحت ألمانيا الغربية حجر الزاوية في الهندسة الأمنية للتحالف الغربي ضد دول حلف وارسو التي كانت تدور في الفلك السوفياتي.

•ليس في إمكان أحد أن ينكر نجاح خطة مارشال، ولاسيما مقارنة بالآثار المدمرة للنزعة الانتقامية للتحالف الغربي ضد ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، التي ساهمت في صعود النازية في ألمانيا، وشكلت مبرراً تاريخياً لخطة مارشال. 

•في السياق عينه، من  الصعب إنكار أهمية عاملين جيو- استراتيجيَيْن جعلا هذه التقديمات الاقتصادية لعدو سابق جديرة بالاهتمام.

•العامل الأول، الهزيمة الشاملة للنازية في ألمانيا، وما نتج منها من احتلال لها وتقسيمها من قبل الائتلاف المنتصر، الذي عنى أن الولايات المتحدة وحلفاءها كان في استطاعتهم قولبة ألمانيا الغربية كما يشاؤون من خلال تصفية النازية، تماماً كما أنشأ الاتحاد السوفياتي ألمانيا الشرقية على غرار صورته التوتاليتارية. العامل الثاني، أن ألمانيا الغربية مثل سائر أوروبا الحرة مدينة للولايات المتحدة بأمنها في مواجهة تهديدات الاتحاد السوفياتي والدول الدائرة في فلكه.

•إن سياسة بنيامين نتنياهو الليبرالية حيال سكان السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وبالدرجة الأولى السماح لأكثر من 100 ألف عامل فلسطيني بالعمل في إسرائيل مع إذن عمل أو من دونه، نجحت بصورة جزئية لأنها استوفت الشرطين الأساسيين اللذين أديا إلى نجاح خطة مارشال.

•في ذروة الانتفاضة الثانية في سنة 2002، سيطرت إسرائيل على معظم المدن في السلطة الفلسطينية التي كانت معقلاً لحركة "فتح"، التي هي على علاقة بالسلطة، و"حماس"، والإرهاب الجهادي الإسلامي. وقد أدى ذلك إلى الحؤول دون نشوء معاقل جديدة منذ ذلك الحين، بالإضافة إلى آلاف الاعتقالات الوقائية التي تحدث في الضفة سنوياً. 

•مثل ألمانيا، السلطة الفلسطينية انهزمت. ومثلما حدث بين ألمانيا الغربية والولايات المتحدة، إسرائيل والسلطة الفلسطينية أصبحتا حليفتين ضد عدوين مشتركين هما "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي.

•وإذا كان لدى السلطة الفلسطينية شكوك بشأن من يهدد أكثر سلطة عباس، إسرائيل أو "حماس"، فقد تبددت هذه الشكوك بعد الانقلاب الذي قامت به "حماس" في غزة سنة 2007.

•فقط بعد توفّر هذين الشرطين يمكن للازدهار الاقتصادي أن يؤدي دوراً مساعداً. وحتى ذلك الحين فإن الانعكاسات الاقتصادية ستكون محدودة مقارنة بالعوامل السياسية والعسكرية الصعبة والسريعة.

•في جميع الأحوال، حتى بعد السماح للعمال من الضفة الغربية بالعمل في إسرائيل حيث يكسبون ضعف ما يكسبه العمال في السلطة الفلسطينية (بعد حسم نفقات التنقل)، كان لدى أكثر من 250 فلسطينياً حوافز لارتكاب جرائم في موجة العمليات الإرهابية في أواخر سنة 2015 ومطلع سنة 2016.

•إن الفارق النسبي في حجم فتك هذه الموجة الإرهابية، التي قُتل فيها 45 شخصاً مقارنة بـ800 قتيل في الانتفاضة الثانية، لا يعود إلى تراجع الحافز بل إلى عدم وجود معاقل يمكن تنظيم وإعداد تفجيرات انتحارية انطلاقاً منها، وعدم وجود مخازن كبيرة للسلاح. 

•في غزة لا يتوفر أي شرط من هذين الشرطين. غزة تحت سيطرة "حماس" هي معقل تستطيع الحركة فيه أن تبني بحرية قدراتها العسكرية، وأن تشن حملة معقدة كما حدث في مسيرة العودة مع قليل من التدخل.

•لا يوجد عدو مشترك يمكن أن يجعل "حماس" أكثر تصالحاً، كما كان عليه الوضع بين الولايات المتحدة وألمانيا الغربية أو بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وحدها سياسة القوة إزاء "حماس" يمكن أن تضمن الاستقرار والهدوء في غزة.

•جولات القتال الثلاث بين إسرائيل و"حماس" في 2008-2009 وفي 2012 وأيضاً في 2014 دفعت سكان غزة إلى الطلب من "حماس" وقف إطلاق الصواريخ الذي أدى إلى هذه الاشتباكات. وقد اعترفت "حماس" بهذا الضغط وتصرفت على أساسه. مزيد من الضغط الشعبي بعد فشل مسيرة العودة يمكن أن يدفع "حماس" إلى وقف حملات العنف تماماً. 

•تقديم تسهيلات اقتصادية في هذا الوقت بالذات يمكن أن يزيد موارد "حماس"، من الضرائب على البضائع والمساعدات. وستُحوَّل هذه الأموال مرة أُخرى إلى نواتها الصلبة عبر حملات مثل مسيرة العودة.

 

•في سنة 2006 انتخب سكان غزة "حماس". وقد ندموا على ذلك. وحالياً يتعين عليهم أن يجبروا حكومتهم على الاهتمام برزقهم وليس بالسلاح.  يجب تقديم التقديمات لغزة فقط عندما تتصور "حماس" المنطقة مستقبلاً مثل سنغافورة وليس مثل متاهة من الإرهاب الأصولي.