في الجيش يعتقدون بإمكان مواصلة الخط المتشدد ضد إيران من دون التسبب بحرب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•يدور الصراع الإسرائيلي ضد إيران منذ سنوات عديدة على خطّين منفصلين، بينهما علاقات متبادلة معقدة.  فقد عملت إسرائيل على لجم المشروع النووي الإيراني، وفي الوقت عينه، على إيقاف تزوّد التنظيمات الموالية لإيران في لبنان، وفي غزة، ومؤخراً أيضاً في سورية، بشحنات السلاح التي تُرسل لهم من إيران. المستوى السياسي هو الذي قاد المعركة ضد النووي. فرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هو الذي بلور السياسة، والأذرع الأمنية نفذتها، لكن عند منعطف حساس، أي الخلاف بشأن قصف المنشآت النووية، في السنوات 2009-2012، اتخذ رؤساء الأجهزة الأمنية  موقفاً حازماً، وعملياً، أوقفوا  تنفيذ تطلعات نتنياهو وإيهود باراك الهجومية.

•في المعركة القريبة، بالقرب من الحدود، المستوى العسكري هو الذي يقود خطاً هجومياً، يتبناه تقريباً من دون تردد رئيس الحكومة والمجلس الوزاري المصغر. في الأسابيع الأخيرة، وربما في الأسابيع المقبلة، تتقاطع المعركتان إلى حد كبير:  في عملية الموساد في سرقة الأرشيف النووي الإيراني، وفي ضغط نتنياهو على الولايات المتحدة للخروج من الاتفاق النووي، وفي سلسلة الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل ضد منشآت إيرانية في سورية، وفي الخوف من عملية انتقامية إيرانية تؤدي إلى جولة تبادل ضربات تدفع الطرفين إلى حافة الحرب.

•لقد كان للمؤتمر الصحافي المثقل بالملفات الذي عقده نتنياهو هذا الأسبوع عدة أهداف في آن معاً. على المستوى الاستراتيجي، من الواضح أن رئيس الحكومة يريد أن يمنح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مزيداً من الذخيرة قبل إعلانه المنتظر الخروج من الاتفاق النووي في 12 أيار/مايو (يبدو أن ثمة تنسيق كامل في الخطوات بين الاثنين). ليس لدى نتنياهو أي وهم بشأن مواقف الدول الخمس العظمى الأُخرى التي وقّعت الاتفاق. ومع ذلك، فإن عرض معلومات استخباراتية تشكل دليلاً على منظومة تضليل تستخدمها إيران من أجل إخفاء برنامجها النووي العسكري، يمكن أن تساعد أيضاً في زعزعة حجج هذه الدول في المستقبل.

•لا يمكن، بالطبع، تجاهل العامل السياسي في الاعتبارات. لقد وافق نتنياهو على عملية جريئة وخطرة انتهت بنجاح. ومن المنطقي بالنسبة إليه أن يجني الأرباح المستحقة. لكن تصريحاته كما هي دائماً لدى رئيس الحكومة، بشأن الموضوع الإيراني موجّه إلى التاريخ. منذ أكثر من عقدين نتنياهو مشغول بالتحذير من إيران ومن مشروعها النووي. ليس من الصعب أن نرى أن كشف الأرشيف بالنسبة إليه، هو دليل قاطع على أنه كان على حق طوال الوقت، وبصورة خاصة فعل حسناً أنه، في سنة 2015، عندما قرر إلقاء خطاب في الكونغرس الأميركي ضد توقيع الاتفاق، الخطوة التي جعلته يتعرض للانتقادات في إسرائيل وفي المجتمع الدولي. 

•يعلق المستوى السياسي  أمله  على قدرة الانسحاب الأميركي من الاتفاق على زعزعة الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني فعلاً جراء أزمة. انخفاض قيمة صرف العملة الإيرانية (وصولاً إلى وقف التجارة بالعملة الأجنبية بضعة أيام)، وتظاهرات احتجاج عدة تجري في شوارع إيران، وتعمّق الخلافات بين المعسكر المحافظ  والمعسكر المعتدل نسبياً، ومقاطع من فيديو يظهر فيها مئات من محبي كرة القدم يهتفون باسم الشاه كتحدّ للنظام، كل ذلك يشجع من يعتقد أن عقوبات جديدة ستؤدي إلى موجة احتجاجات واسعة، مثل تلك التي نجحت السلطات في قمعها في نهاية "الثورة الخضراء" في سنة 2009.

في انتظار ترامب

•الجيش الإسرائيلي الذي كان له رأي إيجابي للغاية في اتفاق فيينا، على الرغم من استياء نتنياهو، يرفض تماماً التخلي عن الاتفاق اليوم أيضاً، وهو مشغول أكثر بما يحدث بالقرب من الحدود. في سنة 2009، عندما كان قائداً للمنطقة الشمالية طلب رئيس الأركان غادي أيزنكوت في وثيقة كتبها التشديد على الاستعداد لمواجهات مع الأعداء في الحلقة الأولى المتاخمة لإسرائيل. وفي أساس خطة "جدعون" المتعددة السنوات التي بدأ تنفيذها فور توقيع الاتفاق النووي، هناك فكرة أن توقيع الاتفاق النووي يقدم فرصة للجيش الإسرائيلي لردم الفجوات في المواجهات مع التهديدات القريبة من البلد. وفي الوقت عينه، توسعت في هذه السنوات فكرة المعركة بين الحروب، وجوهرها منع تزوّد تنظيمات، مثل حزب الله، بسلاح متطور ودقيق.

•في الأشهر الأخيرة، تغير وجه هذه المعركة. يبدو أن حزب الله وإيران قلصا تهريب السلاح من سورية إلى لبنان، ربما بسبب الأضرار التي تسببت بها الهجمات على شحنات السلاح. وفي المقابل انتقل الجهد الإسرائيلي، بحسب وسائل إعلامية في سورية، إلى التركيز على قصف منشآت عسكرية إيرانية. لقد تصرفت إسرائيل بحذر سمح لها بالبقاء قبل عتبة الحرب، مع علمها أنها قد تتعرض في أي لحظة لعملية رد. وفي رأي قائد سلاح الجو السابق اللواء أمير إيشل كما عبّر عنه في مقابلة مع "هآرتس" لدى تقاعده من الجيش، في آب/أغسطس الأخير، أن الإنجاز الكبير للجيش أن هذه العمليات تجري، مع حرص الجيش على "عدم دهورة دولة إسرائيل إلى حروب".

•حتى الآن نُسبت إلى إسرائيل 5 هجمات ضد منشآت لها علاقة بإيران في سورية. في حرب الأدمغة الدائرة بين أيزنكوت وضباطه، وبين الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري والمسؤول عن العمليات الخارجية، يبدو أن إسرائيل زادت كثيراً من قيمة الرهان. يقولون في المؤسسة الأمنية إن الانسحاب من المواجهة حالياً، سيكون بمثابة إعادة ارتكاب الأخطاء الإسرائيلية التي جرت في العقود الماضية في لبنان. في سنة 1996، بعد عملية "عناقيد الغضب"، قبلت إسرائيل فرض قيود على نفسها في مقابل ضمان الهدوء في مستوطنات الشمال وسمحت لحزب الله بأن يتحول إلى تحد عسكري جدي للغاية طارد قوات الجيش الإسرائيلي حتى أرغمها على الانسحاب من جنوب لبنان بعد مرور 4 سنوات. وفي سنة 2006 بعد حرب لبنان الثانية، رفع الحزب قدرته عدة درجات، لأن إسرائيل لم تصر على تطبيق البند الذي يمنع تهريب السلاح إلى حزب الله في قرار مجلس الأمن 1701. وكانت النتيجة ترسانة من الصواريخ والقذائف ضاعفها الحزب عشرة مرات، إلى أكثر من 100 ألف، قادرة حالياً على ضرب أي هدف في إسرائيل.

•يقول مصدر أمني: "ممنوع السماح بنمو مثل هذا الوحش برعاية إيرانية في سورية".وأعلن وزير الدفاع ليبرمان أن إسرائيل ستعمل على منع ذلك "مهما كان الثمن". هل هذا الثمن سيشمل حرباً ضد إيران في سورية؟ على الرغم من أجواء الحرب التي تصدر عن القدس، يعتقدون في الجيش أن هناك هامشاً للمناورة لمواصلة العمليات الصارمة من دون التدهور إلى حرب.

•إن التطورات مرتبطة أيضاً بالتحولات على الخط النووي. جزئياً، يجري تبرير الخط الهجومي الحالي بحجة أن إيران تنتظر قرار ترامب هذا الشهر في 12 أيار/ مايو بشأن الاتفاق النووي، ولذلك هي ستفكر مرتين قبل أن ترد الآن على الأحداث التي وقعت في سورية. إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق، تتغير الظروف وستضطر طهران إلى إعادة النظر في سياستها في سورية.

 

•من المفاجىء أنه لا يدور في إسرائيل، حالياً، أي نقاش سياسي بشأن الانعكاسات المحتملة للتحركات في سورية. إن السقف الذي وضعته إسرائيل هناك مرتفع جداً: القضاء الكامل على الوجود العسكري الإيراني في سورية، حتى ذلك الموجود بعيداً جداً عن حدودها. والتقدير أن إيران بعد العمليات المنسوبة إلى إسرائيل زادت جهودها وأرسلت أفراداً ومنظومات سلاح إلى سورية إضافية. فإذا كان الهدف دقّ إسفين بين المحافظين والمعتدلين في طهران على خلفية طموحات سليماني والخلافات بشأن الأموال الطائلة التي يصرفها النظام لتشجيع وكلائه في الخارج، يبدو أن هذا الهدف لم يتحقق بعد. وبخلاف جولات التوتر السابقة تتواجه إسرائيل حالياً مباشرة مع إيران. صحيح أن إيران هي في وضع أضعف منا في سورية، لكنها في وقت متأخر أكثر، وفي حال وقوع تصعيد في إمكانها أن تضم حزب الله  إلى المواجهة.