أنا أخجل من كوني إسرائيلياً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•"أنا أخجل من كوني إسرائيلياً". بعد عبارة من هذه النوع يجب أن تعتذر كي لا تصبح مطروداً. حسناً فهمت. ممنوع قول ذلك. هل من المسموح القول إنني صُدمت، لم أصدق ما سمعته أذناي، أصبت بحالة من الغثيان الشديد، لدى سماعي عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا في التظاهرات بقرب السياج في غزة؟

•من المسموح إعطاء التوجيهات إلى الجيش الإسرائيلي لمنع عبور المتظاهرين من غزة إلى داخل إسرائيل، لكن يجب أن يجري ذلك باستخدام وسائل غير قاتلة: خراطيم مياه، قنابل مسيّلة للدموع، وطلقات مطاطية موجهة نحو الأقدام. ومن دون استخدام نيران حية، وبالتأكيد من دون استخدام نيران حية موجهة للقتل. إن الذي يعطي أمراً بإطلاق نار حية على متظاهرين عُزّل غير مسلحين، ولا يعرضون حياة الجنود للخطر، هو يعطي أمراً غير قانوني واضحاً تماماً. فقط قلب شرير لا يشعر بذلك.

•هذا الأسبوع جرى بث الشريط المرعب الذي يُظهر قناصاً يطلق النار على فلسطيني لا يشكل عليه خطراً بتاتاً. الفلسطيني الذي كان يرتدي قميصاً زهرياً كان يقف على مسافة بعيدة واضحة عن السياج، ولم يكن هناك سبب أبداً لإطلاق النار عليه. نراه في لحظة في الشريط واقفاً وفي اللحظة التالية  يسقط، بعد إطلاق النار على قدمه. حينئذ سُمعت أصوات حماسة وابتهاج من الطرف الثاني: "واوو، يا له من شريط خرافي، ابن الشرموطة طار مع قدمه، اذهبوا من هنا يا أبناء الشرموطة". لم يكن الشاب ذو القميص الزهري يعرف أنه مستهدف، رأيناه يتجول من دون خوف. لم يعرف أن إسرائيل حددت "منطقة قتل" تترواح بين 80-100 متر من الأرض الخاضعة لسيادة غزة، وكل من يسير فيها يعرض نفسه للموت.

•عن هذا قال وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان: "يجب منح القناص وساماً... الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم". على أي شيء يستحق  وساماً؟ على أن لديك بندقية متطورة مع منظار تليسكوبي، وتطلق النار على أشخاص غير مسلحين كأنهم بط في ميدان رماية، بينما أنت مستور جيداً في موقع محصن من دون التعرض لأي خطر؟ عن هذه العملية يجب أن ينال الجيش  وسام الجيش الأكثر أخلاقية في العالم.

•لقد كان مع الغزاويين عدة أنواع من السلاح. كان لديهم مقاليع، مثل دافيد في مواجهة غوليات. كانت لديهم إطارات أشعلوها. وكانت لديهم مرايا جاؤوا بها من منازلهم، حاولوا بواسطتها إبهار عيون القناصة. الفيلسوف والعالم أرخميدس فعل ذلك قبلهم. قبل نحو 2000 عام فرض الأسطول الروماني حصاراً على سيراكوسي، وتطوّع أرخميدس من أجل إيجاد آلات حربية تلجم الرومان. واحدة منها مجموعة من مرايا مقعرة كبيرة موجهة نحو عيون طواقم السفن الرومانية لإبهارها.

•بهذا السلاح المطور في الزمن القديم حارب الغزاويون، ولم يستطيعوا التغلب على القناصة الذين قتلوا 32 شخصاً منهم، بينهم المصور ياسر مرتجى، الذي كان يرتدي سترة مكتوباً عليها "صحافة". وجرحوا نحو 300 شخص بنيران حية، 20 منهم وضعهم صعب، بالإضافة إلى آلاف طلقات المطاط والغاز. هذه أرقام لا يمكن استيعابها. لقد وصلنا إلى زمن أصبحت حياة الإنسان لا تساوي شيئاً. 

•في سنة 2009، ظهر كتاب "توراة الملك" [كتاب من جزأين وضعه الحاخامان يتسحاق شابير ويوسف أليتسور، صدر الجزء الأول منه سنة 2009] وهو يناقش الشرائع المتعلقة بقتل الأغيار. وجاء في الكتاب بالاستناد إلى "إثباتات" من التلمود، أن وصية التوراة "لا تقتل" تتعلق فقط باليهود، أمّا الأغيار فمسموح قتلهم. لقد أثار الكتاب يومها ضجة كبيرة ومعارضة شديدة، لكن يبدو أنه أصبح مقبولاً اليوم بصورة كاملة. والدليل العدد الكبير من المعلقين ومن السياسيين الذين لم يؤثر فيهم إطلاق النيران الحية على المتظاهرين، ولا العدد الكبير للقتلى والجرحى. يقول هؤلاء إن الغزاوين "أرسلوا أولادهم للقيام بعمليات ارهابية. ومن الجيد أننا أوقفناهم". وأضافوا "لقد خرجوا من غزة لذا لسنا مسؤولين عن شيء". وقد وصفوا التظاهرة بأنها "غزو إرهابي يستهدف تدمير إسرائيل" و"كل التقدير للجيش الذي كبح الغزو من دون وقوع إصابات في جهتنا". وماذا عن المصابين المدنيين من الطرف الثاني؟ هذا أمر مسموح؟ انظر ما جاء في "توراة الملك". من العار أن تكون إسرائيلياً في هذه الأيام. وهوعار يرافقه شعور حاد بالغثيان.