أشعر بالخجل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•أشعر بالخجل من الجيش الذي أقسمت بالولاء له في يوم تأسيسه. هذا الجيش ليس هو الذي خدمت فيه. أشعر بالخجل من وسائل الإعلام التي كان لي دور في بلورتها. لم تعد هي نفسها. أشعر بالخجل من دولتي التي ساهمتُ في إقامتها والدفاع عنها في يوم تأسيسها. 

•في اليوم الأول للاحتجاج في غزة قُتل 17 شاباً، وجُرح مئات بالرصاص الحي، ولا واحداً منهم عرّض حياة مواطني إسرائيل للخطر، ولا حياة الجنود طبعاً. ولا واحداً منهم كان يحمل سلاحاً، ولا واحداً منهم كان على مقربة من السياج الحدودي المقدس. لقد شاهدنا الصور على محطات التلفزة في العالم. العالم العربي شاهد محطة "الجزيرة"، والأميركيون شاهدوا محطة "السي إن إن". طلقات عن بعد، وطلقات على الصدر. وطلقات في ظهور الناس وهم يهربون.

•قبل أسبوع من حدوث ذلك، سُئلت كيف سترد حكومة إسرائيل على معركة غير عنفية. أجبت: بالنيران الحية. ليس لدى حكومة إسرائيل رد آخر على المقاومة غير العنيفة. ستبذل الحكومة جهدها كي تحوّل هذه المقاومة غير العنيفة إلى مقاومة عنيفة. لأن لديها رد على العنف: عنف مضاعف ومضاعف. هذا ما حدث في بداية الانتفاضة الثانية. فقد بدأت بمقاومة غير عنيفة، الجيش الإسرائيلي رد عليها بالنار، وبسرعة تحولت إلى مقاومة عنيفة.

•المقاومة غير العنيفة هي أداة سياسية. والجواب عليها يجب أن يكون سياسياً فقط. مثل: الإعلان عن الاستعداد لتسليم الحكومة الفلسطينية المناطق المحتلة. والدعوة إلى مفاوضات، ليس مع مندوبي دونالد ترامب الشديدي الصهيونية، بل مفاوضات مع قيادة الشعب الفلسطيني. ليس هناك حل آخر. لا غداً ولا بعد سنة، ولا بعد 50 عاماً.

•الجيش الذي يطلق النار على جمهور أعزل ليس جيشاً، هو بصعوبة ميليشيا. 

•أفكر "بالقناصين". القنص  مهنة عسكرية محترمة. القناص هو الذي يُطلق النار على عدو مسلح، يطلق النار على الصدر. قناص مدرّب يطلق النار من بندقية قناصة على أشخاص غير مسلحين ، ومن مسافة مضمونة من دون أن يجازف بنفسه، ليس قناصاً وليس جندياً. ماذا نسميه؟ أسأل نفسي ماذا كنت سأفعل لو أُعطيت لي الأوامر بإطلاق النار على أشخاص عُزل. هل كنت سأرفض المهمة؟ آمل بأنه كانت ستكون لدي  الشجاعة لأفعل ذلك. لكن حتى لو كنت افتقدت هذه الشجاعة لكنت سأخطىء الهدف عمداً. ولكنت أخطأته حتى لو قالوا لي إنهم "ناشطون تابعون لحماس"، أي أنهم مخربون. لكن ناشطي "حماس" الذين لا يحملون سلاحاً ليسوا مخربين. هم يخدمون هيئة سياسية، تشكل حالياً الحكومة الفاعلة في قطاع غزة، التي تُجري معها حكومة إسرائيل  اتصالات رسمية أو غير رسمية. هل من الممكن التفكير بأن ناشطي "حماس" سيبقون في منازلهم عندما سيستجيب جيرانهم إلى دعوات "حماس" ويخرجون للتظاهر؟

•أشعر بالخجل من وسائل الإعلام. عندما أقيمت دولة إسرائيل كان الإعلام أداة حكومية. وعلى هذا الأساس في الفترة التي سبقت إقامة الدولة. كان كل صحافي كان يعتبر نفسه جندياً في نضال الييشوف من أجل إقامة الدولة. للأسف الشديد بقيت وسائل الإعلام على هذه الحال حتى بعد قيام الدولة. "هعولام هزِه" المجلة الأسبوعية التي كنت رئيساً لتحريرها طوال 40 عاماً كسرت هذا النمط. لقد احتجنا إلى سنوات حتى انضم إلينا في النهاية جميع الصحافيين تقريباً. ونشأت وسائل إعلام نقدية. لم يعد هذا موجوداً. هذا الأسبوع ظهر الإعلاميون، ومحطات الإذاعة والتلفزيون، جميعهم تقريباً كناطقين بلسان الحكومة ورئيس الأركان، ليس فقط في استخدام صيغة التقرير الذي كُتب لهم، بل وحتى في استخدام المصطلحات والكلمات. قلائل شذوا عن هذه القاعدة، ولهم الشكر. 

•نموذج آخر: منذ فترة ليس هناك في وسائل الإعلام "أنفاق". حالياً يستخدمون فقط مصطلح "أنفاق الإرهاب" في جميع  وسائل الإعلام. حتى لو ورد ذكر ذلك عشرات المرات في نشرة إخبارية واحدة. هذا هو المطلوب وممنوع الخروج عنه. مثلما كان الوضع في روسيا السوفياتية.

•إذن، من الذي انتصر؟ من دون شك: الفلسطينيون انتصروا. في ذلك اليوم لم يكن ممكناً أن نفتح قناة تلفزيونية أجنبية من دون أن نرى العلم الفلسطيني يرفرف أمام أعيننا. بعد سنوات من اختفاء الموضوع الفلسطيني من وسائل الإعلام العالمية، عاد بقوة. لقد طرحت "حماس" الموضوع الفلسطيني على جدول الأعمال الدولي. أعلام، جماهير من المتظاهرين.  أعلام. قتلى. أعلام. جرحى. أعلام. في الأمم المتحدة لم يدافع أحد عن إسرائيل، حتى من قبل أصدقائنا الخلص. مندوبنا في الأمم المتحدة وجد ذريعة كي يتغيب.

•على شاشاتنا ظهر كل أنواع النماذج. أحدهم جرى تقديمه بصفته ناطقاً بلسان الجيش الإسرائيلي باللغة العربية. قلد في أسلوب عمله جوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازي، الذي وزع مناشير على القوات الأميركية والفرنسية ظهر فيها يهودي سمين يتحرش بفتاة شقراء وجاء فيها: "بينما تسفك دمك، اليهودي يتحرش بزوجتك"، الضابط الذي تحدث بالعبرية  وجد صورة لإسماعيل هنية يلعب بالكرة وقال: "بينما تخاطر بحياتك، هنية يلعب كرة القدم" إلى أي مستوى يمكن أن يصل بنا الانحطاط. 

•المهاتما غاندي ومارتين لوثر كينغ حققا نصراً كبيراً. الفلسطينيون أيضاً سينتصرون في هذه المعركة. 

 

 

المزيد ضمن العدد 2823