•أحداث "مسيرة العودة" في قطاع غزة التي من المفترض أن تبدأ يوم الجمعة المقبل وتستمر شهرين، هي الآن في مرحلة الصراع على السردية. وعلى الرغم من التقارير الكثيرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية والفلسطينية قبيل الأحداث، فإن الجيش الإسرائيلي و"حماس" يحافظان في هذه المرحلة على البقاء بعيداً عن الأضواء نسبياً، لأسباب خاصة بكل منهما.
•لقد اختار الجيش عدم الحديث عن التحضيرات والتدريبات لمواجهة وقوع اشتباكات مع مسيرات جماهيرية، وقلّل ضباط كبار في الجيش تعاملهم مع الموضوع في الشهر الأخير، انطلاقاً من فكرة أن أي اهتمام بالموضوع يمكن أن يؤدي إلى هدف معاكس، وأن يشجع الفلسطينيين على المشاركة في التظاهرات والاشتباك مع الجيش الإسرائيلي. ومن جهة أُخرى، تحذر "حماس" من تقييد نفسها بوعود وتصريحات، وخاصة على خلفية فشلها السابق في قيادة احتجاجات مدنية كبيرة. والرسالة التي اختارت "حماس" أن تبعث بها إلى الجيش الإسرائيلي، وبصورة لا تقل أهمية إلى الشارع الفلسطيني في غزة، هي مناورات كبيرة، وخصوصاً في قطاع غزة.
•في هذا الإطار، تسلُّل أربعة فلسطينيين من القطاع يوم السبت في محاولة لتخريب أعمال بناء العائق (بالإضافة إلى الإخفاقات التي يظهرها هذا الحادث) حدث في توقيت سيء للغاية، أسبوع قبل الموعد المحدد. إن حوادث من هذا النوع سرعان ما تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي في غزة والضفة يمكن أن تشكل رمزاً للصراع، قبل إطلاق طلقة الانطلاق.
•منشور غريب وُزع بالأمس في قطاع غزة جذب انتباه وسائل الإعلام في القطاع وفي إسرائيل. لقد ادعى الفلسطينيون أن طائرات سلاح الجو الإسرائيلي ألقت مناشير تحذر سكان القطاع من عدم الاقتراب أكثر من مسافة 300 متر من السياج الحدودي. وكذّب الجيش الإسرائيلي بشدة أن يكون هذا العمل إسرائيلياً، وقال إنه لم يتضح مَن يقف وراء هذه المناشير.
•ومع ذلك، فالحادث يتيح زاوية لوجهة نظر مثيرة للاهتمام. يحذر المنشور السكان من الاقتراب من مسافة تتجاوز الـ300 متر من السياج بينما المجال الأمني، أي المنطقة المحاذية للسياج التي يُمنع الفلسطينيون من الدخول إليها هي 100 متر فقط. وتُلمح عملية التسلل التي حدثت بالأمس من القطاع إلى سيناريوهات قصوى، إذ يكفي أن يحدث تسلل منفرد من جانب مسيرات جماهيرية في بضعة مواقع كي يتسبب بتصعيد. في مثل هذه الحالة سيكون كبح كامل للمسيرات من دون استخدام واسع النطاق للنيران الحية مهمة صعبة للغاية، على افتراض أن قوات الجيش ستبدأ بالتحرك فقط عندما يصبح الفلسطينيون على بعد 100 متر فقط من السياج.
•الخلاصة التي يمكن استخلاصها من ذلك، أنه سيكون على الجيش الإسرائيلي أن يعمل بطرق مختلفة من على بعد عدة مئات من الأمتار لمنع الجماهير من الاقتراب من السياج. وعلى ما يبدو، عملية في عمق المنطقة يمكن أن تؤدي داخل الأراضي الفلسطينية إلى إدانة دولية وردّ من جانب "حماس". لذا فإن استخدام هذا الخيار يجب أن يأتي فقط كمخرج أخير، في حال تحقق سيناريو مسيرة جماهيرية في اتجاه إسرائيل. وفي جميع الأحوال لا شك في أن مثل هذه العملية يجب أن تكون في سلة الأدوات التي لدى الجيش، ويجب على المستوى السياسي الموافقة على هذا الإمكان في الخطط العملانية.
•مع ذلك، وعلى الرغم من التحضيرات والاهتمام الإعلامي الكبير بالموضوع, فإن التقدير الحذر في المؤسسة الأمنية أن يوم الجمعة المقبل سيشهد ارتفاعاً في درجة المواجهة مع الفلسطينيين، لكن ليس بأبعاد مسيرات ضخمة ستتوجه نحو إسرائيل. لكن في الأشهر المقبلة يمكن أن تحدث تطورات متطرفة يجب أن يكونوا في إسرائيل مستعدين لمواجهتها. وإذا تحققت سيكون على الجيش الإسرائيلي التفكير في وسائل مبتكرة كي يجد حلاً مناسباً لها.