من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
•يا لها من مأساة: في الأسبوع الذي حصل فيه بنيامين نتنياهو على أكبر إنجاز له كرئيس للحكومة، هو إعلان نقل السفارة الأميركية إلى القدس، كان ينتظره تحقيق هو الأصعب بكل تجلياته كمشتبه جنائي. فالدبلوماسي الناجح الذي انتهت خلال فترة ولايته مقاطعة دامت 70 عاماً للاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل من دون أي مقابل، سيلتقي هذا الأسبوع محققي الوحدةالقطريةلمحاربة الجريمة الاقتصادية في محاولة لإنقاذ نفسه من تهمة الحصول على رشى في قضية "بيزك" [المعروفة بالملف 4000]، وكذلك في الشبهات المقلقة في قضية الغواصات. من الصعب عدم العودة إلى المقارنة التي تحولت إلى كليشيه بين نتنياهو ونيكسون، الذي تورط بقضية ووترغيت بعد أسابيع قليلة من عودته من زيارة إلى الصين، تعتبر أكبر إنجاز للدبلوماسية الأميركية في العقود الأخيرة، والتي أدت إلى انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة.
•سيكون من المثير للاهتمام قراءة السيَر الذاتية التي ستُكتب ومشاهدة الأفلام التي ستصدر بعد عقد أو اثنين، عندما يتضح أكثر فأكثر ما حدث في السنوات الأخيرة في محيط نتنياهو. توقيف المقربين منه، توقيع اتفاقات مع الشهود، ومع ذلك من الصعب أن نصدق: هل يُعقل أن يكون رئيس الحكومة الذي لا خلاف بشأن قدراته الفكرية والتحليلية، قد عرّض حقاً مسيرته المهنية للخطر وربما حريته ومستقبله الاقتصادي، فقط من أجل بضعة صور جميلة لزوجته سارة على صفحات موقع "والا" الإلكتروني وعناوين أولى في صفحات القيل والقال؟ ولقاء تساهل بسيط في انتقادات مجموعة "يديعوت أحرونوت" ضده؟ ولكي يبدو كمليونير يدخن سيجاراً غالي الثمن؟ هل سيلقي اللوم على سارة ويدّعي أنه في النهاية أراد إرضاء نزواتها؟
•بحسب استطلاعات الرأي العام، يعتقد الجمهور الإسرائيلي أن نتنياهو فاسد لكنه يتخوف من خسارته. أكثر من 9 سنوات مرت من دون أن يظهر شخص غيره كزعيم مناسب، والتحقيقات معه لم تغيّر شيئاً ولم تدفع إلى ظهور أي مرشح جدي لوراثته. وليس السبب فقط هو الوحدة القبلية لليكوديين ضد "اليسار والنخب" المسيطرة، بحسب الاعتقاد السائد في أجهزة القضاء والأمن. إن شعبية رئيس الحكومة تستند قبل أي شيء آخر إلى إنجازاته، التي يجب ألاّ نستخف بها.
•إن إنجاز نتنياهو الأكثر أهمية هو نجاحه في عزل أغلبية الإسرائيليين الذين يعيشون غربي الخط الأخضر عن خطر النزاع. والتهديد الوجودي، الذي رافق وجود إسرائيل طوال سنوات كظل يومي، أصبح على هامش الحديث العام. ويتركزالإرهاب الفلسطيني، ضمن الحدود التي يوجد فيها بصورة عامة، في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، أي في أماكن لا تذهب إليها أغلبية الإسرائيليين. كما أن أغلبية الناس لا تريد الانسحاب من مليمتر واحد من المناطق [المحتلة]، وترفض نقل ولو عائلة واحدة من المستوطنين من منزلها، لكنهم من جهة أخرى لا يعرفون أين تقع حلميش أو أينتقع هاربركا، فهذا أمر لا يهمهم، والهجمات التي تقع هناك لا تعرضهم للخطر.
•خلال فترة نتنياهو، سُجل أقل عدد من الجنازات في الجانب الإسرائيلي من النزاع، مقارنة بفترة ولايته. ولقد أثبت أنه من الممكن إقامة "سلام اقتصادي" والاستفادة من التأييد الدولي من دون التخلي عن المناطق، بخلاف البديهية التي سادت هنا عشرات السنوات. لقد كانت له أخطاء فادحة، وفي طليعتها الانجرار إلى حرب سنة 2014 في غزة ("الجرف الصامد")، والتأخر في فهم إشارات التحذير بشأن تقييد حرية عمل الجيش الإسرائيلي في سورية، التي دفع ثمنها بإسقاط طائرة إف-16 قبل أسبوع ونصف الأسبوع. ومع ذلك فإن هذا كله لم يجرِ بفضل نتنياهو فقط: فقد استفادت سياسة نتنياهو من "الربيع العربي" الذي فكك الدول المجاورة، ومن انهيار الحركة الوطنية الفلسطينية، ومن نتائج اكتشاف النفط في الولايات المتحدة التي أضعفت التدخل الأميركي في المنطقةورغبتهافي فرض تسويات سلمية تستند إلى انسحاب إسرائيل من أراضي الضفة الغربية والجولان.
•الإنجاز الثاني لنتنياهو هو الاستقرار السياسي. ففي العقد الممتد بين خسارته في الانتخابات سنة 1999 وعودته إلى الزعامة، تغيّر ثلاث رؤساء حكومات. في العقد الذي سبق ذلك تبدل أربع رؤساء حكومات. منذ مجيء نتنياهو سُجلت حركة وتبدل في الائتلاف وفي المناصب الوزارية البارزة، وواجه رئيس الحكومة تهديدات متتالية لمنصبه. لكنه نجح في المناورة هنا وهناك، وبقي الرجل نفسه في سدة القيادة منذ 9 سنوات.
•الإنجاز الثالث هو الازدهار الاقتصادي، الذي يظهر في الارتفاع الحاد في الاستهلاك الفردي وفي الشعور بالاستقرار. لم يجرِ هذا كله بفضل نتنياهو (أسعار الوقود خفضت من أسعار الرحلات إلى الخارج وغيرها)؛ أسعار الشقق لا تزال مرتفعة؛ الفجوات الاجتماعية كبيرة؛ والتعليم في أسوأ أوضاعه؛ الفساد منتشر والعجز المالي يتضخم. لكن هناك عدد كبير من الإسرائيليين المستفيدين من الوضع القائم، وهم ليسوا متحمسين للمجازفة بتغييره.
•ومادام هذا هو الوضع، هدوء أمني، وزعامة مستقرة وإحساس بالازدهار، كثيرون بين الجمهور الإسرائيلي سيرافقون نتنياهو بقلق إلى لقائه مع المحققين، حتى لو كانوا يؤمنون بأنه مشتبه به.