تدخُّل حركة الجهاد الإسلامي في إطلاق النار من غزة يزعزع فرضيات إسرائيل الأساسية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•يعكس البيان الإسرائيلي الصادر يوم الأربعاء، الذي نسب إطلاق القذائف المدفعية على النقب الغربي يوم الجمعة الماضي إلى حركة الجهاد الإسلامي، تغيراً معيناً في الوضع في قطاع غزة. فقد حرصت إسرائيل طوال التصعيد الحالي على الحدود، على تقديم سردية واضحة للغاية: التنظيمات السلفية المتشددة تطلق القذائف، والجيش يرد بقصف مواقع وقيادات حركة "حماس" (تُصوَّر هذه الهجمات في الداخل الإسرائيلي بأنها قوية ودراماتيكية أكثر مما تظهر عليه في غزة)، ورداً على ذلك تقوم أجهزة الأمن في "حماس" باعتقال ناشطين سلفيين في محاولة لإيقاف القصف.

•وراء هذه السردية توجد الفرضيات التالية: الردع الإسرائيلي في مواجهة "حماس" ما يزال قوياً، وأن "حماس" تفضل الدخول في مواجهة مع التنظيمات الصغيرة على الانجرار إلى حرب جديدة مع إسرائيل، وأيضاً من الأفضل لإسرائيل تأجيل المواجهة، من اجل استكمال بناء العائق ضد الأنفاق، ومواصلة العثور على أنفاق حُفرت في أراضيها.

•يضع انضمام حركة الجهاد الإسلامي إلى عمليات إطلاق النار هذه السردية وهذه الفرضيات الأساسية موضع اختبار. فحركة الجهاد الإسلامي هي الحركة الثانية من حيث الحجم في القطاع. وهي تضم نحو 10 آلاف مسلح، ويبلغ حجم ترسانتها الصاروخية نصف حجم ترسانة "حماس". وللحركة اعتبار خاص بها فيما يتعلق بإطلاق النار - الانتقام لمقتل 12 ناشطاً من الجهاد ومن "حماس" في تفجير إسرائيل النفق الهجومي في نهاية تشرين الأول/أكتوبر. لقد سبق أن أطلقت الحركة قذائف مدفعية لم تتسبب في إصابات على موقع للجيش الإسرائيلي على حدود القطاع في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر. وقد هددت إسرائيل من جهتها في تشرين الثاني/نوفمبر، باغتيال مسؤولين كبار من الجهاد في غزة وحتى في دمشق. ويبدو أن البيان الصادر أمس يهدف إلى تمرير رسالة مفادها أن استمرار القصف سيواجَه برد عسكري مباشر ضد حركة الجهاد. ولا يستبعدون في المؤسسة الأمنية في إسرائيل احتمال أن يكذب ناشطو حركة الجهاد على "حماس"، ويخفون عنها تدخلهم في إطلاق النار.

•في جميع الأحوال ، يبدو أن "حماس" تجد صعوبة، أو هي تتردد في كبح إطلاق النار من جانب حركة الجهاد وأيضاً من جانب السلفيين. لقد أُطلقت اليوم أيضاً ثلاثة صواريخ من القطاع على إسرائيل. وبينما كانت تدور في الكنسيت مهزلة تشريع قانون الحكم بالإعدام بحق المخربين، الذي لا تنوي الحكومة تطبيقه، بدا كلام زعماء الائتلاف بشأن الردع الإسرائيلي فارغ المضمون بصورة خاصة. وبينما يتعرض رئيس الحكومة من اليمين ومن اليسار للهجوم بسبب إظهار ضعفه في مواجهة الإرهاب، يبدو أن الطريق نحو جولة جديدة من تبادل الضربات في غزة، بعد ثلاث سنوات من الهدوء النسبي، أصبحت أقصر.

•في الخلفية، طبعاً إيران تلعب دوراً، فهي التي تمول أغلبية عمليات حركة الجهاد الإسلامي في القطاع، وقد استأنفت ومؤخراً  أيضاً تقديم دعمها المالي إلى الذراع العسكرية في "حماس". ويبدو أن إسرائيل تبذل جهداً واضحاً لجمع أدلة لإثبات أحد الادعاءات المُثارة في موجة الاحتجاج الأخيرة في إيران: أن النظام الإيراني يدعم تنظيمات مسلحة وإرهابية في شتى أنحاء الشرق الأوسط ويهمل الضائقة التي يعاني جراءها المواطن البسيط في إيران.

•لقد أكد ذلك بالأمس رئيس الأركان غادي أيزنكوت في الخطاب الذي ألقاه في مركز هرتسليا المتعدد المجالات. وتبدو المناورة اليوم أكثر وضوحاً: في البداية تحميل حركة الجهاد مسؤولية إطلاق قذائف من صنع إيراني، وبعد أقل من ساعة إعلان الشاباك الكشف عن خلية إرهابية فلسطينية في الخليل، تنشط بواسطة عميل إيراني من جنوب أفريقيا، اعتُقل أعضاؤها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. الخبر الاستخباراتي بحد ذاته صحيح، لكن من الصعب التصديق أن نشره  في التوقيت الحالي بريء ولا علاقة له بما يجري. وفي الواقع بعد مرور ساعة على إعلان الشاباك، أصدر نتنياهو بياناً خاصاً به اتهم إيران بمساعدة الإرهاب ضد إسرائيل.

•في هذه الأثناء يواصل الرئيس ترامب صب الزيت على النار التي اندلعت عبر الرد الفلسطيني العنيف على تصريح ترامب بشأن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6 كانون الأول/ديسمبر. 

•إن تصريح سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، بشأن نية واشنطن تقليص المساعدة المقدمة إلى الأونروا، هيئة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، يقلق إسرائيل بصورة لا تقل عن القلق الذي يثيره لدى السلطة الفلسطينية. 

•رسمياً، تقف إسرائيل مراراً وتكراراً ضد العلاقة بين موظفي الأونروا والإرهاب، وضد تحويل الأموال إلى أحفاد اللاجئين الفلسطينيين الذين يعود أصلهم إلى فلسطينيي 1948. لكن في الواقع تموّل الوكالة نشاطات تربوية وعلاجات طبية لمئات الفلسطينيين، وتقليص حاد في مواردها يمكن أن يدفع الآلاف إلى الخروج إلى الشوارع والاشتباك مع الجيش الإسرائيلي.

•بالإضافة إلى ذلك، إذا نشبت حرب في غزة، ستكون التنظيمات الدولية العنوان الوحيد لإسرائيل للحؤول دون حدوث كارثة انسانية في القطاع. ويحرص الجيش الإسرائيلي على الإبقاء على علاقات عمل متواصلة مع الأونروا، ومؤخراً دُعي أحد كبار مسؤولي الوكالة إلى إلقاء محاضرة أمام  قادة كبار في الجيش، كي يشرح لهم خطورة وضع البنى التحتية في غزة.

•في الموجة الأخيرة من تغريدات ترامب على تويتر أعرب الرئيس الأميركي عن خيبة أمله من الفلسطينيين ومن الإسرائيليين بعد الاعتراف بالقدس. ويتشكى ترامب من تجميد الفلسطينيين العملية السياسية (التي هي مجمدة عملياً منذ سنوات)، احتجاجاً على الاعتراف، كما يشكو من أن الإسرائيليين لم يردوا على بادرته بإعلان استعدادهم لتقديم تنازلات للفلسطينيين. 

 

•بخلاف الأمل والثناء في اليمين الذي سارع إلى إطلاق إسم الرئيس على حدائق بلدية ومحطات مستقبلية للقطار الخفيف، يبدو أنه لا توجد "وجبات مجانية" لدى مؤلف كتاب "فن الصفقة": فهو يتوقع من نتنياهو الرد على الإنجاز التاريخي في القدس بخطوات تدفع قُدُماً بصفقة العصر الذي وعد هو نفسه بأن يحققها للإسرائيليين والفلسطينيين.