•توشك سنة 2017 على الانتهاء. فما هي أبرز الظواهر/ السيرورات التي شهدتها منطقتنا؟ لقد شهدنا أساساً استمراراً لأربع سيرورات تمرّ على المنطقة خلال السنوات الأخيرة:
•السيرورة الأولى هي تآكل التأثير الأميركي وصعود تأثير روسيا بقيادة فلاديمير بوتين. وبدأ تآكل التأثير الأميركي مع الرئيس السابق باراك أوباما واستمر مع الرئيس الحالي دونالد ترامب. وتشكل سورية المحك الأبرز لذلك، إذاعترفت إدارة ترامب عملياً بالهيمنة الروسية عليها. لكن نظراً إلى أن الحديث يدور عن رئيس غير متوقع في كل ما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة الخارجية من الجائز أن يفاجئنا خلال السنة المقبلة. وسيكون السؤال الأكبر بالنسبة إلى مفاجأة كهذه خلال سنة 2018 متعلقاً بموقفه من الاتفاق النووي مع إيران وبالإجراءات العملية التي سيتخذها حيال طهران.
•السيرورة الثانية هي استمرار تحطم العالم العربي والذي سبقه تدهور أسعار النفط. وحالياً يمكن القول بعد مرور 7 سنوات على ما عُرف باسم "الربيع العربي" إن ما حلّ بالعالم العربي ليس ربيعاً ديمقراطياً كما أمِلوا في الغرب وإنما أعمال دمار وسفك دماء غير مسبوقة. وتسببت هذه الأعمال بنمو حركات إسلامية جهادية متطرفة وبنزوح موجات من اللاجئين تؤدي إلى زعزعة أوروبا ديموغرافياً وأمنياً.
•السيرورة الثالثة هي صعود نجم دولتين عظميين إقليميتين هما إيران وتركيا. وإذا كانت تركيا لا تزال تبحث عن طريقها في المنطقة، فإن لدى إيران طموحات واضحة في كل ما يتعلق بفرض هيمنتها الإقليمية. وبخلاف تركيا، تمتلك إيران حماسة دينية وحماسة إمبريالية إلى جانب امتلاكها قدرات عسكرية وسياسية.
•السيرورة الرابعة ناجمة عن السيرورتين السابقتين، وهي اشتداد حدة الصراع بين تيّار الأغلبية السنيّة وتيار الأقلية الشيعية. ويعاني تيار الأغلبية السنيّة جرّاء نقطتي ضعف رئيسيتين: الأولى، وجود أنوية إسلامية متطرفة بين صفوفه؛ الثانية، تشرذمه وافتقاره إلى قيادة قوية مثل إيران التي تقود تيار الأقلية الشيعية. وجرّاء نقطتي الضعف هاتين فإن الخطر الإيراني- الشيعي الذي يتهدّد السعودية باعتبارها القيادة الضعيفة للتيار السنيّ والتي توصف بأنها "معتدلة"، يصبح ملموساً أكثر فأكثر.
•ما هو الأمر الجديد الذي طرأ على هذه السيرورات خلال سنة 2017؟ إن الأمر الجديد الأبرز هو سقوط منطقتي نفوذ تنظيم "داعش" في كل من سورية والعراق. ومع ذلك لا يزال هذا التنظيم قائماً في هذين البلدين ويمتلك قدرات عسكرية تتيح له إمكان خوض حرب أنصار فيهما وفي أماكن أُخرى أهمها شبه جزيرة سيناء.
•وبالنسبة إلى سورية، مع أن الكفة رجحت لمصلحة نظام الطاغية بشار الأسد فإن الحرب الأهلية فيها لم تضع أوزارها بعد. وعلينا أن نتذكر أن الأسد بات "دمية" في أيدي روسيا وإيران. وما يتعين علينا مراقبته سنة 2018 هو مدى نجاح إيران في تحقيق تطلعها إلى فرض سيطرة برية على المنطقة الممتدة من حدودها حتى حدود حليفها حزب الله في لبنان وتشكيل تهديد لإسرائيل من هضبة الجولان السورية.
•وطبعاً علينا أن نتعقب ما سيترتب على إعلان ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفيما إذا كان ينطوي على تداعيات تتعلق بآفاق تسوية النزاع مع الفلسطينيين.
•ماذا يعني كل ما تقدّم ذكره بالنسبة إلى إسرائيل؟ إجمالاً يمكن القول إن وضع إسرائيل الاستراتيجي الإيجابي لم يتغير. إن الخطر المحتمل الجديد في المنطقة الشمالية هو إيران، لكن فقط في حال تموضع قوات إيرانية كبيرة في الأراضي السورية، واحتمالات حدوث ذلك تبدو ضئيلة في رأيي. وفوق ذلك كله علينا أن نتذكر أننا لسنا سُنّة ولا يجب علينا أن نأخذ أي دور فاعل في الصراع الإسلامي الداخلي المحتد بين السُنّة والشيعة.