•لم يكن الربيع العربي الذي انطلق قبل ستة أعوام مع موجة من الثورات التي غيّرت وجه الشرق الأوسط، يشبه ربيع الشعوب في براغ الذي أدخل الأجواء الليبرالية إلى تشيكوسلوفيكا في الستينيات. لم يحمل الربيع العربي الديمقراطية والحرية، على الرغم من خروج الجماهير إلى الشوارع ومطالبتها بالتغيير على أمل وضع حد للأنظمة الاستبدادية التي حكمت عشرات السنوات بيد من حديد، والوضع اليوم في أغلبية هذه البلاد أسوأ مما كان عليه قبل التظاهرات. لقد فاقم الربيع العربي الشرخ القائم بين المتدينين والعلمانيين، وبين الوطنيين والقوميين، وطبعاً بين السنّة والشيعة. كثيرون في العالم العربي، وبينهم صحافيون ومعلقون كبار، يتهمون إسرائيل بأنها أفشلت عن قصد الربيع العربي من أجل عقد تحالفات مع زعماء عرب بخلاف رغبة شعوبهم.
•وبدلاً من "الربيع العربي" بدأ ينتشر في الأشهر الأخيرة مصطلح جديد في الصحافة العربية هو "الربيع العبري"، أي التقارب بين الدول العربية وبين إسرائيل وتهميش القضية الفلسطينية.
•ثمة مؤشرات عديدة إلى الربيع العبري، مثل: قبل بضعة أسابيع أعرب الوزير السوداني للاستثمارات الأجنبية، فاضل المهدي، عن تأييده قيام علاقات وتطبيع مع إسرائيل؛ إدانة أمير البحرين حمد بن جاسم آل خليفة المقاطعة العربية لإسرائيل، وقوله إنه مسموح لمواطني دولته زيارة إسرائيل ( وفعلاً وصل قبل أيام وفد مؤلف من 24 شخصية دينية من البحرين في زيارة تاريخية إلى إسرائيل)؛ التقارير العلنية التي تحدثت عن لقاء جرى بين ولي العهد السعودي ورئيس الحكومة الإسرائيلية؛ اجتماع الرئيس المصري السيسي علناً مع رئيس الحكومة في الوقت الذي يُصدر فيه مفتي السعودية فتوى تحرّم قتل الإسرائيليين، وهناك المقابلة التي أجراها موقع سعودي مع رئيس الأركان الإسرائيلي.
•وبينما تنمو إسرائيل وتزدهر وتتغلغل في أسواق كثيرة في أفريقيا، تتفكك الدول العربية نتيجة الحروب الدائرة بينها. بالنسبة إلى العرب إسرائيل هي دولة قوية ومتحضرة ولديها ما تقترحه عليهم، ولهذا هم يغازلونها.
•وباستثناء تصريحات الزعماء، من اللافت أن العالم العربي لم تثُر ثائرته لدى سماعه إعلان ترامب أن القدس عاصمة للشعب اليهودي ولدولته. لقد حاول الفلسطينيون بكل قواهم إشعال العالم العربي وتحريض الجماهير، لكن من الواضح أن جهودهم لم تفلح. لم تعد القضية الفلسطينية تهم أحداً، ولكل زعيم عربي مصائبه الخاصة.
•يتعامل العرب في المنطقة اليوم، في أغلبيتهم، مع القضية الفلسطينية بصفتها عبئاً. والسؤال الذي يُطرح في أوساط كثيرة هو: ماذا حملت القضية الفلسطينية غير الحروب والدمار إلى الدول العربية؟ هذا ما حدث في الأربعينيات عندما أيّد مفتي القدس الحاج أمين الحسيني هتلر وتعاون مع النازيين، وهذا ما حدث في سنة 1970 في أيلول الأسود في الأردن، وفي لبنان حيث كان الوجود الفلسطيني سبباً أساسياً للحرب الأهلية التي استمرت من 1975سنة إلى سنة 1991، وهذا ما حدث على الصعيد السياسي عندما أيّد ياسر عرفات في مطلع التسعينيات صدام حسين في غزو الكويت وأثار غضب دول الخليج. ولا يزال هذا التوجّه مستمراً اليوم أيضاً، عندما يقوم الفلسطينيون بتشويه سمعة السعوديين ويفتحون قنوات التحاور مع إيران، الأمر الذي يؤدي إلى غضب كثيرين في المجتمع العربي وبصورة خاصة السعوديون.
•هناك عامل مهم ساهم في ازدهار الربيع العبري، هو بالطبع تهديد إيران الدول العربية واستقرارها، وليس حب اليهود بل كراهية إيران. تشعر دول الخليج بأنها مهددة من الإيرانيين، الذين باتوا يسيطرون على أربع دول عربية: لبنان، سورية، العراق، واليمن. يعرف الزعماء العرب جيداً أن الإيرانيين وضعوا هدفاً هو تصدير الثورة الشيعية إلى العالم العربي وخصوصاً إلى الدول الإسلامية التي توجد فيها الطائفة الشيعية. ويشكل تدخل إيران العسكري، والاقتصادي، والديني، تهديداً استراتيجياً ويلحق ضرراً كبيراً بالأمن القومي لهذه الدول.
•أدت جميع هذه العوامل إلى نشوء وضع جديد، كان منذ وقت قصير يُعتبر أمراً طوباوياً. نحن نشهد فعلاً تحسناً واضحاً في العلاقات مع الدول العربية وخصوصاً مع دول الخليج المعتدلة، التي تضعنا في كتله واحدة معها ضد إيران وتجعلنا حليفة لها في الشرق الأوسط.