•لا يظهر الإيرانيون أي إشارة على الذعر حيال التهديدات الإسرائيلية بطردهم من سورية، فلديهم تجربة مع الزعامة الإسرائيلية، وهم يفهمون ما لم يدركه أكثرية الإسرائيليين: إن نتنياهو أكبر مضيع للفرص.
•لقد تعلم الإيرانيون أسلوب تصرف القيادة الأمنية برئاسة نتنياهو خلال الأزمة النووية التي حدثت في بداية هذا العقد، وليس هناك من سبب يدعوهم إلى افتراض أن شيئاً قد تغير: الكثير من الكلام، والكثير من النباح، والقافلة تمر. ومن الواضح اليوم أكثر من الماضي أن الإيرانيين لم يأخذوا على مأخذ الجد تهديدات إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية في إيران، وكان ذلك أيضاً خلال السنتين الحساستين2011-2012 حين أعطت حكومة إسرائيل انطباعاً بأنها على وشك أن تأخذ في أي لحظة قراراً بتدمير المشروع النووي الإيراني. دبلوماسيون غربيون خدموا في طهران في تلك الفترة، وإيرانيون في المنفى يقيمون في الغرب ومصادر أخرى يقولون لنظرائهم الإسرائيليين إن الإيرانيين لم يخافوا في تلك الفترة من ضربة إسرائيلية مستقلة، بل خافوا من هجوم أميركي بمشاركة إسرائيل، أو أن تضطر الولايات المتحدة نتيجة استفزاز إسرائيلي إلى القيام بعملية عسكرية.
•وفقاً للتقارير التي رافقت الأزمة النووية في مطلع هذا العقد، فقد قال وزير الدفاع حينذاك إيهود باراك، إن إسرائيل قادرة على أن تهاجم لوحدها كحل أخير، لكن مثل هذا الهجوم المغطى دولياً الذي لا يبقي إسرائيل معزولة، يمكن أن يحدث فقط بمشاركة الولايات المتحدة. لقد كان في إسرائيل من قدّر أن الأميركيين سيبحثون معنا الخيار العسكري المشترك فقط عندما يقتنعون بأن لدى إسرائيل القدرة والاستعداد للقيام بعملية عسكرية في عمق إيران. وفي الواقع فقد أجرى الأميركيون حوارات مهمة جداً بالاستناد إلى المعلومات الاستخبارية التي لديهم، تشير إلى أن لدى إسرائيل قدرة هجومية مستقلة. وتابعت الولايات المتحدة من كثب الاستعدادات الإسرائيلية وكانت على علم بالمستجدات، بصورة غير رسمية وغير موثقة، من خلال رجالها داخل إسرائيل الذين اعتقدوا أن هجوماً إسرائيلياً [على المنشآت النووية في إيران] هو فكرة خطرة.
•في نهاية الأمر ولّد الضغط العسكري الإسرائيلي ثلاث ظواهر: الجمهور الإسرائيلي أخذ قيادته على محمل الجد، وناله منها خوف يومي خشية نشوب حرب غير تقليدية مع إيران؛ الأميركيون شددوا تهديداتهم باستخدام السوط العسكري وفرض عقوبات اقتصادية على إيران، وهذا ما أدى في 2013 إلى اتفاق أولي مع إيران ظلت إسرائيل خارجه؛ في المقابل، وخلال فترة خوف الأميركيين الشديد تعهدوا أمام إسرائيل بمنحها مساعدة أمنية بأحجام خيالية مقابل وقف استعداداتها العسكرية، وعرضوا على إسرائيل قدرات عسكرية وعدوا باستخدامها ضد إيران إذا جرى مس شعرة من إسرائيل. لكن نتنياهو رفض يومها التجاوب مع النية الطيبة للأميركيين، واعتقد أنه قادر بقدرته الخطابية على دفع النواب الأميركيين إلى الوقوف ضد الرئيس.
•لقد خسر نتنياهو على جميع الأصعدة. خسر المساعدة الأمنية بأحجام كانت إسرائيل فقط تحلم بها، وبدلاً من ذلك حصل من أوباما على مساعدة سنوية سخية، لكن ليست استثنائية بالمقارنة مع المساعدات السابقة. ولم يؤمن نتنياهو لحظة واحدة بفائدة العقوبات الاقتصادية كحل مطلق للموضوع النووي، ففي نظره العقوبات مرحلة موقتة فقط فهو يؤمن بالحل العسكري. في عهد أوباما لم يكن شن هجوم بمشاركة الولايات المتحدة أمراً واقعياً. لقد أعطى ترامب أملاً ما لنتنياهو بإمكانية تحقيق الرؤيا العسكرية، لكن سلوك الرئيس الأميركي حتى الآن يدل على أنه أمل زائف.
•يتمتع نتنياهو بالصورة التي بناها لنفسه بصفته المسؤول الأول عن الخيار العسكري ضد إيران. فهو الذي كشف عن المشكلة وأعطى الحلول، وبسببه تأجل التطوير النووي في إيران. لكن هذا لا يعدو أن يكون نصف الحقيقة. ليس هو من بدأ الخيار العسكري، بل شارون في نهاية ولايته حين بدأ بتحويل المال من أجل التحضير لعملية عسكرية كبيرة، وفي المقابل أعطى الأفضلية للعمليات السرية للموساد. واستمرت التحضيرات العسكرية خلال فترة أولمرت، حين نُسبت إلى الموساد انجازات كبيرة من أجل تأجيل المشروع. لقد كان نتنياهو حينذاك في المعارضة، وشريكاً في السر. فهو لم يجد شيئاً ولم يجدد شيئاً باستثناء مجموعة خطابات بليغة بشأن المسألة النووية. لقد توجه العالم في اتجاه آخر وأبقاه وراءه. وعندما طرح استراتيجيته من أجل عملية عسكرية، الجيش والموساد منعاه من ذلك.
•هذا ما سيحدث أيضاً في المواجهة ضد سورية: نتنياهو سيتحدث، وسيهدد، وسيجرف الجماهير، لكن ثمة شك في أن تقوم إسرائيل بعملية عسكرية واسعة يمكن أن تسحب البساط من تحت أقدام إيران في سورية. ولا يبدو أيضاً أن إسرائيل تشارك في أي تحرك سياسي يمكن أن يؤيد عملية عسكرية لطرد الإيرانيين من المنطقة.