تصريحات الزعماء الإسرائيليين لا تساهم في الهدوء في الجولان والحدود مع لبنان
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

 

•كأنه ليس لدينا ما يكفينا من المشاغل هذا الأسبوع، برزت ثرثرات قيادتنا التي لا تنتهي عن موضوع حزب الله وإيران في سورية. من الصعب فهم ما هو الهدف وراء هذه الهجمة من التصريحات، إلا إذا كان هناك من يريد تسخين الأجواء على الجبهة الشمالية. حتى الآن حرصت إسرائيل على انتهاج سياسة أن تفعل كثيراً وتتكلم قليلاً.

•في مطلع هذا الأسبوع نشر اللواء (في الاحتياط) عميرام لفين مقالاً انتقد فيه الحكومة متهماً إياها بأنها تجر إسرائيل إلى حرب لا ضرورة لها في الشمال. للوهلة الأولى اعتقدتُ أنه على خطأ. فمنذ ست سنوات تتصرف إسرائيل بحكمة في مواجهة الفوضى العارمة الدائرة في سورية، وتحافظ على مصالحها من دون أن تنجر إلى مواجهة، أو أن تسمح للحرب الدائرة هناك بالانزلاق إلى أراضينا. وليس أمراً عادياً أنه على بعد مئات معدودة من الجهنم التي تسود ما وراء الحدود، أن تحافظ الحياة في الجولان على هدوئها. لكن في نهاية الأسبوع بدأت أقتنع بأن لفين على حق.

•إن صفارات الأنذار التي أرعبت سكان الجولان صباح يوم السبت الفائت كانت حادثة خطيرة. لقد كان رد الجيش الإسرائيلي مناسباً: تدمير ثلاثة مواقع مدفعية تابعة للجيش السوري. حتى الآن ليس واضحاً من أمر بإطلاق قذائف المدفعية، لكن من الواضح من لم يأمر بذلك. وعلى ما يبدو فإن هذا لم يكن قراراً من القيادة السورية. من المحتمل أن يكون اطلاق النار في اتجاه إسرائيل قد فاجأ أتباع الأسد الذين سارعوا إلى اصدار أوامر قاطعة لضمان عدم استمراره.

•من المحتمل جداً أن تنظيماً محلياً يوجهه حزب الله أو إيران هو وراء اطلاق النار. ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها اطلاق النار على إسرائيل من الزاوية الشمالية من هضبة الجولان، المعقل الأخير لنظام الأسد القريب من الحدود الإسرائيلية. ليس هناك أي معلومة تؤكد وقوف حزب الله وراء الحادثة. لكن هذا لم يردع وزير الدفاع عن الادلاء بتصريحات قاطعة بشأن مسؤولية حزب الله عما حدث.

•لقد حرص الجيش الإسرائيلي على التمسك بالوقائع، واعترف بأنه ليست لديه معلومات تؤكد كلام وزير الدفاع. ولم تتمكن الاستخبارات العسكرية التي يطلب منها يومياً تقديم الأجوبة، من الجزم بمن هو الطرف المسؤول. واضطر وزير الدفاع في المساء إلى توضيح كلامه بأن ما قاله تقديرات وليس وقائع. لكن جاء حينها خطاب رئيس الحكومة الذي مرة أخرى اتهم حزب الله والإيرانيين، بحيث بدا كأن الأمر سياسة.

•في يوم الأربعاء تبنى الجيش الإسرائيلي هذه السياسة ونشر صورة الحاج هاشم، قائد حزب الله في الجولان السوري. وقد ظهر هاشم في الصور بالزي العسكري للجيش السوري برفقة وزير دفاع الأسد، وكان واضحاً أن الهدف من الصورة احراج حزب الله الذي يتباهى بنفسه بأنه درع لبنان. لكن ماذا تستفيد إسرائيل من نشر هذه الصورة؟ فإذا كان المقصود بذلك طرف يهددنا، فمن الأفضل قتله بدلاً من نشر صوره في الصحف. فإن هذا سيكون أكثر نجاعة بكثير. 

•في الماضي، زعمت تقارير أجنبية، أن إسرائيل عرفت كيف تتعامل مع الذين حاولوا العمل ضدها. في حزيران/يونيو الأخير قتل ياسر حسين السيّد قائد "فوج الجولان"، وهو ميليشيا شعبية أقامها الأسد ضدنا. قبلها بعامين اغتيل جنوبي دمشق سمير القنطار الذي عاد لقيادة عمليات حزب الله في الجولان. وقبل ذلك اغتيل جهاد مغنية وجنرال إيراني في جبهة الجولان. وفي الأسبوع الماضي، تحدثت تقارير في سورية عن تعرض قيادة فرع تابع لتنظيم داعش في جنوب الجولان يطلق على نفسه اسم جيش خالد بن الوليد، للهجوم.

•لماذا في حالة هاشم تفضل إسرائيل نشر صورته في الصحف بدلاً من قصفه بصاورخ؟ هل من المحتمل أننا نخاف رد حزب الله (الذي لا بد سيأتي) إذا قتلناه؟ في السنوات الأخيرة تحركت إسرائيل في سورية في كل مرة شعرت فيها بأن مصالحها مهددة. ونفذ سلاح الجو أكثر من 100 هجوم، كما قال قائد هذا السلاح. لكن يبدو في هذا الأسبوع أننا انتقلنا من الأفعال إلى الأقوال.

•أنا لا استخف بقدرة حزب الله العسكرية الهائلة، ولا بالقلق من تموضع إيران في سورية، لكن أثبتت السنوات الأخيرة ان العمل الإسرائيلي العسكري والسياسي الصامت أجدى بكثير من التصريحات الصاخبة. وعادة تأتي هذه التصريحات عندما نكون خائفين من التحرك.

•هذا الأسبوع نُشر في لبنان أن حزب الله يستعد لإخراج قواته من سورية وإعادتها إلى لبنان. أشك في أن يحدث هذا في وقت قريب. ففي السنوات الأخيرة أثبت حزب الله أنه القوة البرية الأكثر نجاعة التي في خدمة الأسد. ومن دونه سيكون من الصعب جداً على الأسد أن يصمد. وعلى الرغم من أجواء الاتفاقات فإن حرب الأسد لا تشرف على نهايتها في وقت قريب: هناك تنظيم داعش الذي ما يزال موجوداً في سهل الفرات، وما تزال هناك جيوب قوية للمتمردين في العاصمة دمشق، وجيوب كبيرة للمتمردين في إدلب قادرة على تهديد التجمعات السكانية العلوية. إن خروج حزب الله الآن يمكن أن يعطي اشارة إلى المتمردين للهجوم من جديد وتعريض نظام الأسد للخطر من جديد. 

•إن الأمر الأخير الذي يشغل بال الأسد وحلفائه حاضراً هو الجولان، الذي لا يتمتع الآن بأهمية استراتيجية، وينطوي على احتمال وقوع احتكاك مع إسرائيل يمكن أن يؤذيه. لقد فهم الأسد أن روسيا لن تحميه من سلاح الجو الإسرائيلي، ونظراً لأنه يخرج مضرجاً بالدماء من ست سنوات من القتال، فثمة شك في أن تكون له مصلحة في فتح جبهة ضدنا. 

•في المقابل، فإن حزب الله يفرحه أن يوجه ضربة إلى إسرائيل من حين إلى آخر من أراضي سورية، ويجب ألا نسمح بحدوث ذلك. وبخلاف التصريحات، لا حزب الله ولا إيران يقتربان في الوقت الحالي من حدودنا مع لبنان. تنتظرنا مناوشات في الشمال، لكن ليس هناك مبرر لتأجيجها بأقوال غير مجدية. إن التصريحات الفارغة للقيادة الإسرائيلية لا تساهم في استمرار الهدوء الذي يسود الجولان والحدود اللبنانية.

•لقد نجح نتنياهو خلال السنوات الست الأخيرة في انتهاج سياسة حكيمة ولكن حازمة في مواجهة سورية. حذره المبالغ فيه وعدم ميله نحو المغامرة كانا لصالحه في هذه المرحلة. لكن بخلاف تهديداته الجوفاء في بداية العقد بمهاجمة إيران، فإن التهديدات ضد حزب الله من شأنها أن تهيئ أجواء قد تؤدي إلى مواجهة. وليست مواجهة من هذا النوع ما يمكن أن ينقذ مستقبل نتنياهو السياسي، بل على العكس من ذلك.

 

 

المزيد ضمن العدد 2720