•من الواضح الآن بصورة قاطعة أن سورية وإيران بدأتا بشن هجوم دبلوماسي وإعلامي وعسكري هدفه ردع إسرائيل عن القيام بهجمات جديدة في سورية. والحادثة الأخيرة لإطلاق خمس قذائف مدفعية بصورة مقصودة في اتجاه أراضي إسرائيل كانت عملاً استفزازياً غايته جر إسرائيل إلى أن ترد عسكرياً، ويستطيع حينها السوريون تقديم احتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن. لكن المعركة التي تخوضها سورية وإيران، أو الأصح إيران وسورية ضد إسرائيل هي أوسع من ذلك بكثير.
•يسعى الإيرانيون إلى تحقيق أمرين: الأول، الحصول على شرعية دولية وإقليمية للوجود والتحرك العسكري الإيراني في سورية. والهدف الثاني، ردع إسرائيل عن مواصلة هجماتها داخل سورية، وتلك الهجمات لا تعرقل جهود الإيرانيين في التمركز هناك فحسب، بل هي تمس أيضاً هيبة نظام الأسد وقدرته على فرض سيطرته على سورية.
•يريد الإيرانيون والسوريون تحقيق هذين الهدفين من دون حرب مع إسرائيل. فالحرب الشاملة مع إسرائيل وحتى التصعيد سيعرقلان فرض سيطرة الأسد على مناطق أخرى في سورية، وسيعرقل ذلك على الإيرانيين مواصلة "تسللهم الزاحف" إلى داخل سورية في مجالات عسكرية مختلفة وأيضاً في مجالات مدنية.
•يحاول الإيرانيون حالياً السيطرة على حقول النفط في سورية وعلى عمليات اعادة البناء المدنية من أجل ربح الأموال. والتصعيد أو الحرب مع إسرائيل من شأنهما عرقلة العمل الذي يقوم به أساساً الحرس الثوري. ومن هنا استنتاج أن سورية وإيران ستقومان بنشاط دبلوماسي ودعائي وأيضاً عسكري محدود، من أجل تحقيق هدفيهما لكن من دون اشعال حرب.
•ما هي المجالات التي يعمل فيها الإيرانيون والسوريون؟ المجال الأول هو العسكري: قام السوريون في الأشهر الأخيرة بعدة محاولات لاعتراض الطائرات العسكرية الإسرائيلية في أجواء لبنان أو مقابل السواحل السورية بهدف تهديد حرية التحرك الجوي لإسرائيل. وهم يعلمون أن الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى حرية العمل في الأجواء اللبنانية، وأحياناً السورية، من أجل جمع معلومات استخباراتية، وضرب محاولات إيران اعطاء حزب الله صواريخ دقيقة، بالاضافة إلى عشرات آلاف الصواريخ التي لديه.
•إن بطاريات صواريخ أرض - جو السورية الموجهة ضد طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، وصواريخ SA-5 التي اطلقت، هدفها تكريس معادلة ردع في مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي. وينوي الإيرانيون تكريس هذا الردع أيضاً بصورة غير مباشرة بواسطة الروس الذين رغماً عن ارادتهم انجروا إلى هذه المواجهات الجوية. والمطلوب من موسكو أن تحتج لدى إسرائيل وربما تهديدها بتزويد سورية بمنظومات صواريخ حديثة مضادة للطائرات.
•وسيلة أخرى استخدمت هي دعوة رئيس الأركان الإيراني إلى زيارة رسمية لسورية وتوقيع اتفاقات تعاون عسكري مشترك أثناء الزيارة. وهذه الخطوة هي شديدة الأهمية لأنها تهدف إلى اعطاء شرعية قانونية دولية ودبلوماسية للتسلل الإيراني إلى سورية.
•يعرف الإيرانيون والسوريون جيداً أن الحرس الثوري تنظيم تخريبي، وأن الرئيس الأميركي سيعلن قريباً أنه تنظيم ارهابي. ويستعمل الحرس الثوري الميليشيات الشيعية التي هي أيضاً تنظيمات غير معترف بها وغير شرعية، في الساحة الدولية وفي الساحة الشرق أوسطية.
•لهذا السبب أرسل الإيرانيون رئيس الأركان الذي يترأس جيشاً رسمياً، والذي لم يكن تقريباً متورطاً في المعارك ضد المتمردين السنة في سورية. فالعمل الوسخ قام به الحرس الثوري والميليشيات من أجل نظام الأسد، ولكن الآن عندما حان وقت قطف الثمار، أرسل الإيرانيون رئيس الأركان ليوقع اتفاقات مع الجيش الرسمي للدولة السورية كما هو متعارف عليه في الساحة الدولية. لقد هدفت زيارة رئيس الأركان الإيراني إلى اعطاء الشرعية للتسلل الإيراني في سورية، لكن الاتفاقات الموقعة هي أخطر بكثير لأنها تسمح بصورة رسمية وعلنية لإيران بنقل سلاح وتكنولوجيا عسكرية مثل صواريخ متطورة مضادة للطائرات من إيران إلى سورية، وذلك من دون ان تستطيع إسرائيل أن تشتكي عند الروس أو لدى الأمم المتحدة على أن إيران تنصب أسلحتها في سورية، وتنقلها إلى حزب الله.
•من المتوقع أن نرى في وقت قريب منظومات سلاح إيرانية متطورة خصوصاً في مجال الدفاع الجوي هدفها تقييد حرية التحرك الجوي للجيش الإسرائيلي، بالاضافة إلى صواريخ دقيقة سيزود بها الإيرانيون الجيش السوري، والتي ستصل إلى حزب الله.
•إن المجال الرابع الذي يدور فيه الهجوم الإيراني- السوري هو مجال ردع نفسي من خلال شن حرب نفسية ضد مواطني دولة إسرائيل.
•ماذا ينبغي على إسرائيل أن تفعل في مواجهة الهجوم السوري- الإيراني؟ تخوض إسرائيل حالياً هجومها بواسطة وسائل دبلوماسية. والهدف هو التوصل إلى تعاون أميركي- روسي يؤدي إلى تسوية بعيدة المدى في سورية لا يكون فيها لإيران وجود عسكري على الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان، ولا قواعد جوية أو بحرية بعيدة في أراضي سورية. ولهذا الغرض كان مستشار الأمن القومي الجديد لليبرمان في واشنطن، ومن هناك ذهب مباشرة إلى موسكو لاجراء محادثات مع نظرائه.
•هدف الهجوم الدبلوماسي الإسرائيلي هو دفع الروس والأميركيين إلى التعاون من أجل منع امكانية أن تضطر إسرائيل إلى استخدام القوة العسكرية بأحجام كبيرة جداً لمنع التمركز الإيراني في سورية. والمحادثات التي أجراها كبار مسؤولي الحكومة في إسرائيل مع المؤسسة الأمنية في واشنطن وفي موسكو وفي تل أبيب هدفها الحؤول دون وقوع حرب، لكن من دون التنازل عن خطوط إسرائيل الحمراء وهي:
-منع حزب الله من التسلح بصواريخ دقيقة وبسلاح متطور مضاد للطائرات.
-منع اطلاق النار على الأراضي الإسرائيلية في هضبة الجولان.
-منع الاستخدام السوري للسلاح الكيميائي.
-منع تمركز إيراني بالقرب من الحدود في هضبة الجولان، لمنع نشوء وضع إذا وقعت الحرب، يستطيع الإيرانيون من خلاله التحرك من أراضي سورية ضد إسرائيل، بينما يتحرك حزب الله من أراضي لبنان. والإيرانيون وحزب الله معنيون بتحويل الشمال إلى جبهة واحدة.
•لن تتنازل إسرائيل أيضاً عن حرية عملها في الأجواء الجوية في لبنان. وهي نجحت في الدفاع عن هذه الخطوط الحمراء من خلال ما يسمى حرب بين الحروب، سرية وغير سرية، التي يخوضها الجيش الإسرائيلي في الشمال. لكن ما هو أقل نجاحاً وأكثر ايذاء فهي التصريحات العلنية والمتكررة لوزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ورئيس الحكومة نتنياهو عن الموضوع الإيراني- السوري. حتى الآن تعرف إسرائيل كيف تعمل من دون ان تتكلم، لكن من نحو نصف سنة يطلق وزير الدفاع في كل المناسبات تهديدات في مختلف الاتجاهات أحياناً بحاجة وأحياناً من دون حاجة.
•إذا هاجمنا مواقع عسكرية تابعة للنظام السوري بعد اطلاق نار مقصود على هضبة الجولان، فإن الرسالة وصلت إلى دمشق. لا حاجة إلى اضافة مجموعة تهديدات تمنع السوريين من أن يصلحوا بهدوء ما يتطلب اصلاحه، ويفرض عليهم القيام بعمل استفزازي لمنع تآكل اضافي في هيبة النظام.
•إن الأميركيين والروس الذين بفضل مساعدتهم نريد وقف نشاط الإيرانيين في سورية، ليسوا بحاجة إلى تصريحات فارغة في وسائل الاعلام. وهم يحصلون على الرسائل الإسرائيلية مباشرة من رئيس الحكومة ومن وزير الدفاع ومن مستشار الأمن القومي ورئيس الأركان، والروس تحديداً ليسوا بحاجة إلى تصريحات تجبرهم على أن يبينوا انهم يساعدون حلفاءهم ويقدمون لهم مظلة دبلوماسية وسلاحاً متطوراً. إن تصريحات نتنياهو وليبرمان تؤدي فقط إلى النتيجة العكسية لما هو مرغوب فيه من أجل دولة إسرائيل ومواطنيها.