•إن قضية الجندي أزاريا الذي أطلق النار [على جريح فلسطيني لم يكن يشكل خطراً عليه] في الخليل، والذي صادقت محكمة الاستئناف العسكرية على إدانته وأصدرت حكمها عليه، لها أوجه مختلفة. وجميعها جرى تناولها بإسهاب في وسائل الإعلام منذ بروز القضية إلى العلن في آذار/مارس 2016. ومع ذلك، هناك موضوع مهم بُحث أقل من غيره، هو كيف أثرت هذه القضية على العلاقات بين الجيش والمجتمع الإسرائيليين.
•كشفت القضية التي وصفها القضاة العسكريون الكبار بأنها "إشارة تحذير قاطعة بالنسبة لنا جميعاً"، الفجوة الواسعة بين أغلبية الجمهور اليهودي الذي يؤيد بصورة مستمرة أزاريا وأفعاله، ومواقف الجيش في مسائل قيمية ومسائل تتعلق بمصدر الصلاحيات. فهل ما يجري فجوة محدودة، أحادية وعابرة؟ أم أنها تكشف عن خلاف قيمي وأساسي بين الطرفين، على الأقل بشأن وجهة النظر التي من المفترض أن توجه عمليات الجيش الإسرائيلي وجنوده، خصوصاً في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]؟
•هذه المسألة ليست مسألة تافهة. وفجوة كهذه في قضية مركزية تتعلق بأسلوب عمل القوة البرية في الجيش خلال سنوات طويلة، يمكن أن تصدّع العاطفة القديمة التي تعتبر الجيش الإسرائيلي "جيش الشعب". ومثل هذا الضرر المحتمل يعتبره الجيش خطراً حقيقياً يمكن ان يزعزع العقد الاجتماعي بينه وبين الجمهور. وقد تطرق رئيس أركان الجيش غادي أيزنكوت بإسهاب إلى هذه القضية في مقال كتبه في مجلة "معراخوات" التي يصدرها الجيش (في العدد 471 أيار/مايو 2017) عن موضوع الخطة المتعددة السنوات للجيش الإسرائيلي خطة ("جدعون").
•في هذا المقال، وجد رئيس الأركان مجالاً للتطرق ما لا يقل عن 4 مرات إلى مسألة ثقة الجمهور بالجيش. علاوة على ذلك في رؤية أيزنكوت للجيش الإسرائيلي وصف هذا الجيش بأنه "جيش شعب رسمي... يحظى بثقة الجمهور"، أي أن رؤيته للجيش تدعوه بصورة عملية إلى السعي "لتعزيز ثقة الجمهور فيه".
•هل شعر رئيس الأركان بشيء ما في هذا الموضوع كان خافٍياً عن الجمهور؟ وفقاً لاستطلاعات الرأي التي تنشر بانتظام، يحظى الجيش بصورة دائمة بثقة الجمهور بنسب عالية ومستقرة تتعدى كثيراً 80%، وهي أكثر بكثير من سائر الهيئات العامة الأخرى في إسرائيل، بما في ذلك الجهاز القضائي. وتظهر هذه الأرقام أن في استطاعة الجيش أن يكون مرتاحاً لما أنجزه. لكن ليس هذا هو الحال الآن لأن الجيش قلق جداً من هذه المسألة. وفي الواقع هناك مجموعة عوامل تزيد في هذا القلق، بعضها يتعلق بالانتقادات التي تبرز من حين إلى آخر بشأن " الهدر" في الجيش وعدم الكفاءة الإدارية.
•يبدو أن الجيش حساس جداً تجاه هذه الانتقادات لأنها تجعل من الصعب عليه المحافظة على التوظيفات المالية المرتفعة المخصصة لحاجاته لزمن طويل. كما أن سلوك الجيش حيال قضايا تتعلق بالدين والجندر تثير ضده انتقادات من أطراف مختلفة. ويشكل هذا جزءاً من الخلاف القائم وسط الجمهور إزاء هذه المسائل.
•جميع هذه المسائل تكاد لا تذكر في مقابل الخلافات السياسية التي تطبع الخطاب العام الإسرائيلي وتؤثر مباشرة في الجيش على الرغم من محاولاته عدم التدخل في السياسة. فالانقسام السياسي بين يمين ويسار داخل الجمهور الإسرائيلي، خصوصاً في الموضوعات المتعلقة بالفلسطينيين، يجعل من الصعب على الجيش البقاء خارج الخطاب الدائر بين الجيش والجمهور. ويجد الجيش، أيضاً في قضية أزاريا، أنه يُنظر إليه من جانب كثيرين في المجتمع الإسرائيلي وخاصة من جانب أطراف في اليمين، كما لو أنه يتبنى مقاربة "متساهلة" جداً حيال الفلسطينيين في مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية] عموماً وحيال "الارهاب" خصوصاً. وأحياناً، فإن هذه الانتقادات لا تكون تعبيراً فقط عن الرأي في خطوات معينة للجيش، بل يمكن أن تبدو في نظر قيادة الجيش "تخطياً للحدود" وتغلغلاً للجمهور غير الخبير إلى مجال يعتبره الجيش من مهماته وتخصصه. ويمكن الافتراض أيضاً أن هناك تخوفاً في القيادة العليا من تغلغل النقد بشأن طريقة سلوك الجيش الإسرائيلي غير الصارمة إلى الرتب الصغيرة من القادة وأيضاً إلى الرتب المتوسطة. ومثل هذه الظاهرة يمكن أن تزعزع وضوح وتفهم المقاتلين لأسلوب استخدام القوة في ظروف غامضة.
•هناك جهات سياسية أيضاً وعالية المستوى توجه انتقادات علنية وحادة إلى الجيش (وإلى الشاباك أيضاً) في الضفة الغربية. ويبرز أيضاً امتناع مسؤولين كبار عن التعبير علناً عن تأييدهم لقيم الجيش وتحفظهم تجاه الذين يتهجمون عليه، خصوصاً من جانب نواب الجمهور الذين لهم تأثير كبير.
•إن هذا الانزلاق من الحديث العام والانتقادات إلى الحديث السياسي والانتقادات العلنية يمكن أن يصدّع ثقة الجمهور بالجيش. كما يمكن أن يغذي ويبلور الخطاب العام الذي يتضمن حالياً سمات تحريض شخصي، ويمكن أيضاً أن تكون له عوامل ضاغطة على مواقف وتقديرات وتصريحات قادة الجيش. وهذا يمكن أن يفسر أيضاً سبب قلق اللواء غادي أيزنكوت.