•منذ نهاية الأسبوع الماضي، عندما أزالت إسرائيل آلات الكشف عن المعادن من مداخل الحرم، سجل الفلسطينيون لأنفسهم انتصاراً آخر. فالشرطة التي خفضت مستوى تفتيش الداخلين إلى الحرم، تجاهلت عن قصد أو غير قصد دخول نحو 80 شخصاً من أعضاء حركة المرابطون التي أعلنت أنها غير مشروعة قبل بضعة أشهر، وتشكل منذ سنوات عنصراً مركزياً في التحريض ضد إسرائيل.
•لكن عندنا هذا الحدث الخطير جرى تجاهله. وكل من كان متورطاً في تقصير البوابات الإلكترونية يفضل إزالة القضية عن جدول الأعمال، بحيث إن فرص أن يستخلص أحد ما دروساً حقيقية من هذه القضية توازي الصفر.
•ندفن رؤوسنا في الرمال، لكن الفشل يلاحقنا. ومع مرور الوقت تزداد كومة الأضرار التي تركتها وراءها قضية البوابات الإلكترونية. وليس المقصود هنا صيحات الانتصار الفلسطينية، فهذا جو يمكن القضاء عليه بسهولة شديدة. إن هذه الأضرار التي من الصعب تقدير حجمها بدأت تظهر مؤشراتها على الأرض. فقد اكتشف الجمهور الفلسطيني، مثلاً، أن من ينجح في إدارة الصراع ضد إسرائيل وتركيعها ليس أعضاء "حماس" والسلطة الفلسطينية، بل هم رجال الدين. فجأة أصبح لهذا الجمهور على الأقل في القدس الشرقية، زعامة بديلة فعالة تحل محل الزعامة السياسية. إلى أين يؤدي هذا؟ وهل ستحدث المزيد من الأزمات بسبب مسائل دينية؟
•في وقت غير بعيد كان هناك حوار براغماتي جار بين الزعامة الدينية الإسلامية في القدس والمؤسسة الإسرائيلية. وكان للطرفين عناوين. لكن اتضح بعد أزمة الحرم أن العناوين في الجانب الإسرائيلي مُحيت أو شوّهت أو أنها لم تعد تعمل. في القضية الأخيرة لعبت دوراً بارزاً ثلاثة مراكز للقوة في الزعامة الدينية الإسلامية: الشيخ عمر الكسواني، ممثل الأوقاف الأردنية الذي يدير الحرم القدسي؛ الشيخ محمود حسين، ممثل السلطة الفلسطينية والذي يعمل كمفتٍ للقدس؛ والشيخ عكرمة صبري المفتي السابق، الذي يمثل اليوم الحركة الإسلامية في القدس الشرقية، ولديه ارتباطات مع حركة المرابطون ومع الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل.
•كل واحد من هؤلاء الثلاثة يمثل مصلحته الخاصة التي ليست بالضرورة مشتركة مع الآخرين. أحداث الحرم وحّدتهم. طوال سنوات، مع أنه صدرت عن البعض من هؤلاء تصريحات متطرفة ضد إسرائيل، فإنهم كانوا يتعاملون معها من وراء الكواليس: بدءاً من الاتفاقات بشأن أعمال الشغب في الحرم، وانتهاءً بمسائل ممتلكات وأراضي الوقف الإسلامي. وخلال هذه الاجتماعات جرى إطفاء الكثير من الحرائق.
•في الطرف الإسرائيلي قام بهذه المهمة مستشارو الشؤون العربية في شرطة لواء القدس، وفي الهيئة القطرية، وفي بلدية القدس. وكان مستشار الشؤون العربية في الإدارة المدنية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] أحد الأطراف الفاعلة في مواجهة الأوقاف، ما سمح بمتابعة الأجواء السائدة لدى الجمهور الفلسطيني في المدينة. ويمكن أن نضيف إلى القائمة ضابط الاستخبارات في المنطقة الوسطى، والشاباك. وفي مناسبة معينة، نشطت لجنة لأمن القدس برئاسة رئيس بلدية القدس، ضمت جميع الجهات المختصة. وكانت جميع العناوين في الجانب الإسرائيلي تنسق في ما بينها. بعد حادثة الحرم كان ينبغي على المستوى السياسي الطلب من هذه الأطراف مواجهة المشكلة من خلال حوار براغماتي غير سياسي مع الأوقاف. وهذا لم يحدث لأن هذه العناوين لم تكن تعمل أو لم تعد موجودة أو هي محيت. ولم تعد الأوقاف معنية بالتحاور مع المؤسسة الإسرائيلية.
•هناك ضرر إضافي بدا ظاهراً للعيان مع دخول "فتح" إلى القدس بعد نحو 15 عاماً من تقييد إسرائيل لنشاط الحركة. وقد سُمح لمحمود العالول وهو من كبار مسؤولي "فتح"، بصرف نحو 20 مليون دولار من أجل شراء تأييد رجال أعمال في القدس. وحظي المفتي بحماية "فتح" التي تمول حراسه الشخصيين ونشاطه السياسي، بما في ذلك اجتماعات لم نشهدها في الماضي في القدس.
•بعد قضية الحرم تخاف الحكومة الإسرائيلية من نفسها، وهي تسير بين النقاط، وتنظر بقلق كيف أن عمل عشرات السنوات ذهب هباء.