•الأزمة الأخيرة بشأن الحرم القدسي مع العائلة المالكة الأردنية هي درس دبلوماسي مثير حول القدرة على أخذ حادثة أمنية محلية وتحويلها إلى أزمة سياسية إقليمية. منذ لحظة مقتل الشرطيين في الحرم، مروراً بتركيب البوابات الإلكترونية، وصولاً إلى الأزمة مع الأردن، تصرفت القيادة السياسية في إسرائيل بتهور وضيق صدر وعدم مسؤولية صارخ.
•في ليلة البيانات، والتغريدات، والمقابلات والتقارير المتعلقة بموضوعات أمنية، الصادرة عن عدد من وزراء الحكومة ، بدا هؤلاء كمجوعة من الأشخاص يشاركون في لعبة كراسي، لا كمجموعة من المفترض أنهم يعالجون بمسؤولية وحذر قضايا أمنية حساسة وقابلة للانفجار.
•كانت عملية اتخاذ القرارات السياسية والأمنية في هذه الأزمة متشابكة ومعقدة، وافتقرت إلى رؤية أمنية منظمة. وبدلاً من الالتفاف حول المؤسسة الأمنية والقيام بهدوء وذكاء بخطوات في مواجهة جيراننا والسلطة الفلسطينية، والسير بلطف ولكن بحزم، وتجنّب الألغام التي زرعت أمام الدولة، قرر أعضاء الائتلاف والوزراء الكبار نشر الغسيل في الخارج وانتقاد جميع الأطر التي لها صلة بالأمر. لماذا وكيف جرى ذلك؟
•تتوزع المؤسسة الأمنية عموماً على نظامين هرميين مختلفين، ويشرف وزير الدفاع على الجيش، بينما يتولى رئيس الحكومة مسؤولية الإشراف على الشاباك والموساد، ولجنة الطاقة النووية، ومجلس الأمن القومي، والمجلس الوزاري المصغر وغيرها. وعملياً، فإن السلطة الأمنية الفعلية موجودة بيد رئيس الحكومة. في مثل هذا الواقع، وبصورة خاصة في الأزمة الأخيرة، رأينا بوضوح التوتر بين الذراع الأمنية والذراع السياسية. لقد فشل مجلس الأمن القومي في مهمته التي نص عليها القانون في 2008، أي الدمج بين جميع هذه الأجهزة، وذلك بسبب ثقافة تنظيمية سلبية رديئة قائمة بينه وبين بقية أجهزة الأمن.
•إن العقدة الأكبر هي تلك التي تتعلق بالصلاحية العليا لاتخاذ القرارات الأمنية، أي المجلس السياسي الأمني المصغر. هذا المجلس مثله مثل الحكومة يستند إلى تركيبة ائتلافية تشمل عدة أحزاب. وفي أغلب الأحيان لا يكون وزير الدفاع من حزب رئيس الحكومة، ومنذ البداية تكون هناك بين الاثنين مواجهة سياسية. في مثل هذا الواقع، وبدلاً من أن يأخذ أعضاء المجلس الأمني على عاتقهم المسؤولية الوطنية، كثيراً ما نراهم يستخدمون هذه المنطقة المقدسة من أجل الدفع قدماً بمصالحهم السياسية.
•لا يتسع المجال هنا كثيراً للحديث عن أحداث عديدة تتعلق بتأثير السياسة في عملية اتخاذ القرارات في المجال الأمني. على سبيل المثال، في الأسابيع التي سبقت عملية الرصاص المصبوب [2008] أراد رئيس الحكومة آنذاك إيهود أولمرت القيام بعملية عسكرية خلال مدى زمني قصير من أجل وقف إطلاق الصواريخ، لكن معارضة وزير الدفاع إيهود باراك ورغبته في التقدم في مسار سياسة احتواء لمصر، لم تسمحا ببدء هذه المعركة إلا بعد مرور عدة أشهر.
•ثمة نموذج آخر وهو الأخطر بين النماذج. إنه الطريقة التي جرى فيها إقرار خطة وقف إطلاق النار في عملية "الجرف الصامد" [2014]. فقد بلور رئيس الحكومة خطة وقف إطلاق النار قبل أيام من دخولها حيز التنفيذ. ولكنه لم ينجح في الحصول على الأغلبية السياسية المطلوبة في المجلس الوزاري المصغر لوقف إطلاق النار، وفي النهاية تصرف وفقاً للرأي القانوني للمستشار القانوني للحكومة. وهذا يعني أنه للمرة الأولى منذ قيام دولة إسرائيل، لم تمر خطة وقف إطلاق النار في المسار الحكومي العادي، الأمر الذي أدى إلى خوض الدولة أطول حرب لها بما في ذلك حرب 1948.
•في مسألة حساسة للغاية مثل الحرم القدسي، نرى عدداً من وزراء الحكومة ينافس بعضهم بعضاً. وبدلاً من أن يعملوا بصمت ومسؤولية تحت قيادة رئيس الحكومة، ويضعوا جانباً جميع الخلافات السياسية ليديروا العملية بحكمة وذكاء، نرى ممثلي الشعب هؤلاء منشغلين بمن يرد بسرعة أكبر، ومن يغرّد بسرعة أكبر ومن يكون أكثر تطرفاً.
•في أوقات الأزمات ينظر المواطن البسيط إلى الأعلى، إلى متخذي القرارات. وبدلاً من أن يجد قيادة حكيمة، ومسؤولة، موثوقة وأمينة، يرى المواطن الأشخاص الذين وضع ثقته بهم ينجرون إلى دوامة سياسية وأمنية خطرة، وكل هذا من أجل الحصول على تأييد يومي [like] من جانب مؤيديهم.