•بدلاً من الحرص على تهدئة الوضع على الأرض وكبح الموجة الإسلامية التي تتصاعد من حولنا، حرص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالأمس على تهدئة "القاعدة" اليمينية لناخبيه. وبدلاً من محاولة إيجاد طرق مبتكرة للخروج من الورطة الحمقاء والخطرة التي جرّ إليها الدولة، أصابه القلق على مصير مقعدين وربع مقعد في أقصى اليمين، فأرسل إلى وسائل الإعلام سلسلة تصاريح يمينية مثيرة للشفقة هدفها طمأنة قاعدته اليمينية: ها هو يؤيد "قانون القدس الكبرى"، وها هو "يأمر" و"يطلب" من وزير الدفاع عدم إخلاء المستوطنين الذين اقتحموا مبنى قريباً من الحرم الإبراهيمي في الخليل، وها هو "يأمر" باستئناف البناء فوراً في مستوطنة لاستيعاب المستوطنين الذين جرى إخلاؤهم من مستوطنة عمونه بعد توقف البناء فيها.
•منذ زمن طويل لم تواجه إسرائيل أمراً عسيراً مثل مواجهتها حالياً المد الإسلامي، وزخم "الإخوان المسلمين" صناعة الشيخ رائد صلاح ورجب طيب أردوغان. ما حدث لم يكن فقط سلوكاً إسرائيلياً أخرق، بل كان أيضاً نشوة القوة، وحسابات سياسية ضيقة على حساب الرؤية الحكومية، وتذبذب هستيري، وغطرسة.
•بالأمس أضيف عنصر حاسم إلى اللغز، بعد أن اتضح أن الحادثة في عمان لم تكن هجوماً. فالشاب الأردني الذي أُطلقت عليه النار ليس مخرباً ولا علاقة للحادثة بقصة الأقصى. لقد كانت خلافاً تدهور وتحول على عراك انتهى بصورة سيئة جداً: مقتل الشاب الأردني بالرصاص ومقتل الشاهد الوحيد على الحادثة، الطبيب الأردني صاحب المنزل. على هذه الخلفية، فإن صورة نتنياهو مع حارس الأمن الإسرائيلي لدى عودته إلى إسرائيل تعكس ضيق أفق وربما أيضاً عدم كفاءة. إن مسارعة نتنياهو التلقائية إلى أخذ الصور مع كل من يبدو جيداً بالنسبة إلى اليمين، أدت إلى إثارة غضب ملك الأردن عبد الله، حليفه المهم في المنطقة كلها، وورطت العائلة المالكة الأردنية كلها في قصة لم تنته. لقد وافق الملك عبد الله على إطلاق سراح الحارس وعرف كيف يتلقى الضربات من جراء ذلك من الجمهور في بلاده. وبدلاً من مساعدته لاحتواء الضرر، رفع نتنياهو غضب الشارع الأردني إلى ذرى جديدة جرّاء الصورة التي لا لزوم لها. لقد كان يجب اعادة الحارس إلى البلد على الرغم من إطلاقه النار من دون سبب على مواطنَين أردنييَن. هذه هي قواعد البروتوكول. وإذا كان ما قام به هو جريمة، يجب أن يُحقق معه ويُحاكم هنا في إسرائيل. لكن كان يتعين على نتنياهو عدم الاحتفال بعودة الحارس. تخيلوا أن حارساً أردنياً في السفارة في تل أبيب أطلق النار وقتل شاباً في عمر الـ17عاماً كان مسلحاً فقط بمفك براغي، وقتل أيضاَ طبيباً إسرائيلياً بريئاً. وتخيلوا أن الحارس أعيد بأوامر من الحكومة الأردنية إلى بلاده، وكان الملك عبد الله في انتظاره مع أغلبية الشعب ليأخذ معه صورة الأبطال.
•يجري هذا كله في ذروة أزمة إقليمية حساسة، حيث من المفترض بالملك عبد الله نفسه أن يساعدنا في التخفيف من ألسنة النيران [المستعرة بسبب أزمة الحرم القدسي] من خلال الأوقاف ومن خلال النفوذ الذي بقي له في الحرم القدسي.
•لقد شهدت بداية هذه الأزمة أيضاَ وضعاً استعراضياً مشابهاً. لماذا كان ينبغي على نتنياهو أن يعلن وهو على الطائرة التي أقلته إلى أوروبا أنه أمر بوضع بوابات إلكترونية على مداخل الأقصى؟ ولماذا حوّل هذه الخطوة التقنية إلى توجيهات قيادية جعلت منها حدثاً؟ في الطريق التي لا تؤدي إلى شيء فقدنا التواضع، والرصانة، والتركيز على الأساسي وترك ما لا لزوم له. إن حاجة نتنياهو إلى إرضاء الوحش اليميني الشره، وإرسال المزيد من "التوجيهات" و"الأوامر" واستعراض زعامته على جمهور لا يشبع، كلّفنا ثمناً غالياً.
•وبعد هذا كله، أيضاً لم تكن لدينا الحكمة لنحسم الأمر بسرعة، ولنقلّص الخسائر، وننهي الموضوع. ففي يوم الخميس الماضي قرر المجلس الوزاري المصغر بطل الدولة الإقليمية القوية التمسك بالبوابات الإلكترونية. وكان هناك وزيران فهما حجم الخطر، يوفال شتاينتس ويوآف غالنت. فقد اقترح شتاينتس إزالة البوابات فوراً، وانضم إليه غالنت. كان من شأن هذا أن ينهي الأزمة قبل صلاة يوم الجمعة. وكان يمكن أن يشكل ضربة، لكن من الممكن بعدها المضي قدماً. لم يكن نتنياهو مستعداً لأن يتلقى ضربة جناح. وبالتأكيد ليس عندما يكون بينت موجوداً وينتظر أي التفاتة منه نحو اليسار. وهكذا واصلنا التمسك بالكرامة الوطنية ويوم الجمعة أعلن إبقاء البوابات. والتتمة معروفة.
•نعم ما لدينا هو هنا وجهة نظر مقلوبة، وجهة نظر اليمين الكلاسيكي التي يمثلها نفتالي بينت. هي وجهة نظر شرعية. ممنوع التنازل عن البوابات، فهذا قرار أمني، ويتعلق بالسيادة، وفي الإمكان احتواء الاحتجاجات والسير قدماً. توجد مشكلتان في وجهة النظر هذه: الأولى، ضخامة الرهان. وحتى لو أن هناك نسبة 20% فقط أن يخسر هذا الرهان، فإن الثمن يمكن أن يكون باهظاً جداً. ثانياً، القدرة على الصمود. إن من يتبنى وجهة النظر هذه يجب عليه أن يسير فيها حتى النهاية. والذي حدث أن نتنياهو توجه يميناً نحو بينت في تلك المرحلة، وهرب فوراً نحو اليسار عندما فهم ضخامة الرهان.