الصراع على محكمة العدل العليا: الخضوع ليس خياراً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•التسوية الموقتة التي توصلت إليها وزيرة العدل ورئيسة المحكمة العليا يجب ألا تخدع أحداً: فالصراع  على الصرح الأخير في الديمقراطية الإسرائيلية المتهالكة ما يزال في بدايته. هذا هو مغزى الهجوم المنسق على المحكمة العليا وعلى هيئة البث العام شبه المستقلة. بنيامين نتنياهو وأييليت شاكيد هما سياسيان عنيفان يعتقدان أنه يتوجب على المحكمة العليا، وهيئة البث العام أن لا تعكسا فقط موازين القوى السياسية الحالية، بل أن ترضخا أيضاً إلى عقلية الأغلبية: الكل في خدمة السلطة. هذا هو في رأيهما مغزى الديمقراطية. بكلام آخر: بما أن الحكم الليبرالي موجود فقط مع وجود دستور ليبراليين، يجب ألا تختلف تركيبة المحكمة العليا عن الأغلبية الموجودة في الكنيست وفي المجتمع.   

•لقد غرقت المحكمة العليا على الدوام بالمشكلات والعقبات النابعة من عدم وجود قانون في إسرائيل. وبما أن الثقافة السياسية الإسرائيلية وضعتها الحركة الصهيونية التي كانت حركة أوروبية قومية راديكالية، فهي تبنت منذ بدايتها أيضاً أسوأ المبادئ التي ميزت هذه النزعة القومية. لم يضع أسس دولة إسرائيل هيرتسل وبوروخوف اللذان لم يأتيا إلى هنا، ولا نحمان سيركِن الذي سارع في الهرب والعودة إلى نيويورك، بل وضعها الذين جاؤوا من المدن في بولنده وروسيا.

•من حسن حظنا أن الانتداب كان بريطانياً، ومحاكم البلد كانت محاكم بريطانية: لم يكن هناك قانون مكتوب، ولكن كانت هناك قواعد لعبة. إن حكم الأكثرية في إنكلترا كان يلجمه الوعي بضرورة وجود مراكز لتوزيع القوى.  وكان هناك إجماع اجتماعي على أنه ليس كل شيء مسموحاً به للذي يفوز في صناديق الاقتراع، وأن الرابح يتصرف على هواه. 

•إن أهمية دافيد بن - غوريون والطبقة التي حكمت الييشوف [الاسم الذي يطلق على الوجود اليهودي قبل نشوء إسرائيل] تعود إلى اعتمادهم الجزئي على الأقل، على هذه المبادئ. مع قيام الدولة وافق بن - غوريون على مبدأ الرقابة القضائية والتحقيق في نشاطات السلطة باستثناء شؤون الجيش والأمن (بما في ذلك الموضوع العربي)، وبذلك ساهم مساهمة لا تقدر بثمن في تأسيس نظام ديمقراطي.

•ولكن من الصحيح أن المحكمة العليا فشلت عندما لم تحوّل وثيقة الاستقلال إلى وثيقة قانونية تأسيسية ولم تناضل من أجل دستور عام، وأنها بعد حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967] التزمت بالمساعدة، مستعينة بتلفيقات مختلفة، على توطين اليهود في الأراضي المحتلة. لقد اعتقدت المحكمة العليا أن مواقفها المحافظة وخضوعها في مسألة المناطق [المحتلة] سيقوي مكانتها داخل الخط الأخضر. ومن هذه الناحية يمكن القول إنها حفرت لنفسها الحفرة التي وقعت فيها حالياً.

•لكن المشكلة ليست في التركيبة الإثنية الدينية للمحكمة، بل في مستقبل السلطة القضائية بحد ذاتها: هل سنصمد جميعنا في وجه الانقلاب المفروض علينا من فوق؟ تــدور أمام أنظارنا معركة على جوهر وجــود النظام الديمقراطي - الليبرالي: اليمين الراديكالي لا يؤمن بأن القضاء يشكل سلطة ثالثة موازية للسلطتين التشريعية والتنفيذية - هيئة وظيفتها كبح الكنيست والحكومة على حد سواء، ومنع انحرافهما والمحافظة على حقوق الإنسان - بل هو عند هذا اليمين خادم مطيع للسلطة يجب عليه مساعدتها على أن تظهر أمام العالم الوجه المشرق "للديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

 

•لقد اعتقدنا أن أشخاصاً مثل أهرون باراك، ويتسحاق زامير، ودوريت بينيش [رؤساء سابقون لمحكمة العدل العليا] وضعوا معايير لا يمكن العودة عنها. لقد أخطأنا، يبدو أن هناك طريقاً للعودة عن كل وضع. ومن الممكن في الغد أن يصبح الوضع أكثر سوءاً. لذا يتعين علينا ليس فقط الوقوف وراء رئيسة المحكمة العليا مريام ناؤور فحسب، بل أن نقول عنها، ومن أجلها، أنه يجب ألا يكون الخضوع أبداً خياراً.