[الجزء الثاني والأخير من المقال، وكنا قد نشرنا في العدد السابق من "المختارات" آراء الجنرال (احتياط) غيورا آيلاند، والجنرال (احتياط) عاموس يادلين، والبروفسور يحزقئيل درور. وفيما يلي مقدمة المقال، ورأي الوزير السابق دان مريدور]
•"في الحرب يجب على الجيش أن يسعى إلى تحقيق النصر"، هذا الأمر مفروغ منه ولكنه على ما يبدو لم يعد كذلك، هذا ما كتبه أعضاء لجنة فينوغراد بعد 16 شهراً على انتهاء حرب لبنان الثانية.
•وأوضح البرفسوران يحزقئيل درور وروث غبيزون، بالاضافة إلى الألوية في الاحتياط مناحيم عينان وحاييم مندل والقاضي د. إلياهو فينوغراد، أنه" إذا كان معروفاً بشكل مسبق أنه لا يوجد استعداد أو إمكانية لتحقيق النصر، فمن الأفضل الامتناع من البداية عن الدخول في حرب، أو حتى في خطوات من شأنها أن تتدهور إلى حرب".
•بعد عشر سنوات على حرب لبنان الثانية وثماني سنوات على هذا القول، تدل قراءة جديدة للصفحات الـ629 لهذا التقرير على أن هذه الفكرة التي لا يستشهد بها كثيراً، هي على ما يبدو في أساس الفشل: ضعف وعي الزعامة الإسرائيلية قبل عشر سنوات هو في أساس التقصيرات الكثيرة التي وقعت في حرب لبنان، وهو أيضاً المفتاح لفهم التسلسل الذي أدى إلى ما يصفه كثيرون حتى اليوم بأنه" تضييع فرصة كبيرة" ويصفه آخرون بأنه "فشل ذريع".
•من أجل التذكير، استمرت حرب لبنان الثانية 34 يوماً. بدأت بهجوم مخطط له من جانب حزب الله في منطقة الحدود، في حادثة خُطف فيها جنديان وقُتل ثلاثة آخرون. وأدى الحادث إلى هجوم إسرائيلي جوي مكثف، ومن بعده إلى عملية برية متعثرة، رافقها خلال أسابيع تردد وجدل داخلي حاد: هل يجب السماح للجيش بالقيام بعملية برية، وإلى أي مدى يتوغل، وبأي حجم؟
•خلال الحرب جرى تعبئة 89 ألف جندي في الاحتياط. لكن في أي مرحلة من مراحل الحرب لم يكن يوجد على أراضي لبنان، أكثر من 10 آلآف في الوقت نفسه. وفي الخلفية كانت تحوّم صدمة حرب لبنان الأولى (1982)، والوجود المستمر لسنوات طويلة على أراضي لبنان، ثم الانسحاب السريع للجيش الإسرائيلي سنة 2000، وهو ما فسّره حزب الله بأنه هروب وفرار.
•في مطلع الحرب بدأ حزب الله بقصف الجبهة الداخلية الإسرائيلية بالراجمات والصواريخ. أصيب الجليل. وحتى حيفا قصفت بالصواريخ البعيدة المدى. وقتل من جراء القصف على الجبهة الخلفية 44 مواطناً و12 جندياً وجُرح نحو 2000 مواطن. ونحو ثلث سكان الشمال غادروا منازلهم ونزحوا إلى وسط البلد أو إلى الجنوب. تضرر الكثير من الممتلكات. وفي المعارك البرية المحدودة قُتل 107 جنود وجُرح 628 آخرون.
•على الرغم من بطولات فردية غير قليلة، اتضح أن استعداد الجيش البري للقتال كان "منخفضاً". سنوات المواجهة الطويلة مع الفلسطينيين وخاصة الانتفاضة الثانية، أديا إلى تآكل استعداد الجيش للمواجهة مع حزب الله. وعلى الرغم من العمليات المتواضعة نسبياً التي أشارت إليها لجان التحقيق بعد الحرب، قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 1500 مقاتل من حزب الله، ودمر بنيته التحتية المدنية المؤيدة للقتال في شتى أنحاء لبنان وألحق ضرراً كبيراً بالمدن في لبنان. أحياء كاملة دُمرت وطرق وجسور كثيرة تضررت. كما قصفت محطات توليد الطاقة والمطار. وقُدر الضرر الذي لحق بالاقتصاد اللبناني بنحو 100 مليار دولار. كما تسببت الحرب بمقتل مئات المدنيين اللبنانيين وجرح آلاف آخرين.
•بعد مرور عشر سنوات، يحكم النقاش العام على هذه الحرب وفقاً لنتيجتين: من جهة هناك الهدوء غير المسبوق الذي يسود الحدود اللبنانية منذ 2006، ومن جهة أخرى نرى التعاظم الكبير في قوة حزب الله العسكرية - غير المسبوقة هي أيضاً.
•لدى حزب الله حالياً نحو 130 ألف صاروخ تغطي تقريباً كل أراضي دولة إسرائيل. وبين هاتين النتيجتين البارزتين يتمحور النقاش عن حرب لبنان الثانية حول مسألة الردع وقدرة الجيش حينذاك واليوم، ودور المستويين السياسي والعسكري، وتأثير لاعبين مثل سورية ولبنان وإيران على المخططات المستقبلية لتنظيم حزب الله الإرهابي.
•يقترح الوزير السابق دان مريدور الذي عالج مسائل أمنية إسرائيلية في حكومات عديدة، على الجمهور وعلى متخذي القرارات نظرة مختلفة إلى حرب لبنان الثانية، وكذلك إلى "حرب لبنان الثالثة" - إذا وقعت لا سمح الله. يقول: "قلت لكثيرين قبل الحرب، وهم يستطيعون أن يشهدوا على ذلك، إن إسرائيل لا تستيطع أن تهزم تنظيماً مثل حزب الله. قلت ذلك على خلفية معرفتي الوثيقة بقدراتنا وقدراتهم. لماذا أذكر ذلك الآن؟ لأن لهذا تأثيراً على المستقبل. إن تهديد 100 ألف صاروخ لدى حزب الله يجسد اليوم تغير نمط الحرب".
•ويتابع مريدور: " لقد واجهنا التهديد القديم للجيوش العربية وانتصرنا. المصريون في سلام معنا منذ 40 عاماً. والأردن في سلام معنا. الجيش السوري مفكك. المعيار اليوم هو مقدار الضرر المتبادل اللاحق بالجبهة الخلفية. نحن مثل الولايات المتحدة نجد أنفسنا دولة في مواجهة تنظيم، دولة في مواجهة لاعب غير دولتي. هذا زمن جديد تغيرت فيه المعادلة كلها. لقد وظفت الولايات المتحدة ولا تزال توظف الملايين في حربها ضد القاعدة أو داعش، ولا تواجه إسرائيل جيشاً نظامياً أو دولة، بل تنظيمات مثل حزب الله وحركة "حماس". وفي مثل هذه الحرب ليس هناك "ضربة قاضية وانتهينا".
•وتابع: "لقد ولى زمن حرب الأيام الستة 1967. خبرنا ذلك في لبنان وفي غزة، وخبرت الولايات المتحدة ذلك في أماكن أخرى في العالم. المحافظة على الحدود مهمة لكنها لا تساعد في منع وصول الحرب إلى الجبهة الداخلية".
•كيف نواجه تغير المعادلة؟
•"اليوم تستند الحرب إلى الاستخبارات وإلى الضربات الموضعية، كالضربة التي قضت على بن لادن، مثلاً. لسنا بحاجة إلى معرفة أين يخبئ حزب الله 100 ألف صاروخ، لكن يتعين علينا أن نعرف ونحدد 300 نقطة إذا ضربتها فإنك تشوش حزب الله كلياً".
•يعتقد مريدور أننا لم ننتصر في حرب لبنان الثانية، لكننا أيضاً لم ننهزم. وهو يؤمن بأنه لم يكن من الخطأ عدم القيام بعملية برية كبيرة ويقول: "إن سلاح المشاة لم ينجح وفي تقديري هو لم يكن قادراً على وقف إطلاق الصواريخ. كان يجب الاكتفاء بضربة قوية وقصيرة ثم وقف القتال. مع استمرار القتال أدركنا حدود القوة في مواجهة تنظيم ارهابي غير دولتي مثل حزب الله. حددنا هدفين: الأول - فرض الهدوء على الحدود، وحققنا ذلك. والثاني - منع تسلح حزب الله، وفشلنا في ذلك. ونشأ تهديد متبادل وردع متبادل، وهذا الأمر ما يزال قائماً".
•في رأي مريدور: "يجسد حزب الله تفكك العامل القومي وصعود الدين - وهذا تغيّر كبير وتاريخي أدعوه "عودة إلى الله". لقد ازدادت قوة حزب الله ليس بسبب ما فعلناه أو ما لم نفعله، بل بسبب إيران. وبسبب تهديدنا الضمني أو العلني طوال سنوات بمهاجمة إيران، قامت ببناء قوة ردع ضد إسرائيل موجودة على حدودنا الشمالية. من جهة أخرى، إن أداءنا في حرب لبنان الثانية وبرغم جميع التقصيرات التي أشارت إليها لجنة فينوغراد - زعزع حزب الله. وقد قال نصر الله ذات مرة إنه لو عرف أن إسرائيل سترد كما فعلت لما خطف الجنديين. لقد افترض أننا عقلانيون وأخطأ في ذلك."
•وماذا بشان المستقبل؟
•"يجب إعداد رد دفاعي. وهذا يتعارض مع الأسلوب الإسرائيلي، لكن ليس هناك ما يمكن فعله. الدفاع وحده لا يكفي، لكن من دون دفاع لا يمكن مواجهة التهديد الصاروخي وصواريخ حزب الله التي تعاظمت كثيراً. لقد بنت إسرائيل لنفسها في السنوات الأخيرة قدرة دفاعية قوية جداً، لكنها ليست مطلقة، ويجب تحسينها وتقويتها على الدوام".
•يقول مريدور: "يجب الاستمرار في محاولة منع الحرب ومنع حصول الطرف الثاني على سلاح كاسر للتوازن، وفي الأساس أن نفهم أن مفهوم الحرب لم يعد حرباً بين جيوش ويتضمن احتلال أراضٍ. الجبهة الآن، وإلى حد بعيد، هي الجبهة الداخلية. جبهتنا وجبهتهم. هذا سيئ لكنه الواقع. إذا واجهنا لا سمح الله حرباً هناك، فأنا أعارض احتلالاً برياً لوقت طويل، وبدلاً من ذلك أؤيد توغلاً للكوماندوس وضربات موضعية في الأماكن الأكثر تأثيراً وإيلاماً بالنسبة للطرف الثاني".