•الدراما السياسية الحقيقية في إسرائيل لم تحدث في مؤتمر هرتسليا في نهاية الأسبوع الماضي، بل حدثت قبل ثلاثة أسابيع في 31 أيار/مايو. في ذلك اليوم الذي دخل فيه أفيغدور ليبرمان إلى وزارة الدفاع في احتفال رسمي في مبنى الكرياه، وجرى توسيع الائتلاف الحكومي الذي أصبح يعتمد على دعم 66 عضو كنيست. لقد منحت هذه الخطوة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفساً سياسياً طويلاً حتى نهاية 2019.
•أحداث نهاية الأسبوع أثارت ضجة كبيرة بسبب عدد الخطباء وهويتهم: يعلون ألقى أول خطاب جدي له منذ إقصائه عن وزارة الدفاع، وهاجم نتنياهو وقال إنه سيتنافس على قيادة الدولة؛ باراك أثار دوياً بالأساس بسبب الرسائل اللاذعة التي وجهها، وأسلوبه الحاد، والهجمات التي شنها، والمظهر الجديد الذي أثار اهتمام الجمهور من جديد بالرجل الذي غادره قبل عامين ونصف العام؛ والأخبار عن النشاطات الاجتماعية لغابي أشكينازي وبني غانتس أثارت الشعور بوجود تنظيم لرؤساء أركان سابقين قبيل الانتخابات. لكننا نحن بعيدون عن ذلك، فالانتخابات بعيدة وليست مطروحة في الأفق.
•هذا الجدول الزمني يجب أن يعيدنا للنظر إلى الأمور بصورة نسبية. إن الكلام الذي قيل أمر جيد وجميل لكنه سابق لأوانه. والذين يتحدثون ويكتبون عن هجوم الجنرالات على نتنياهو ينسون أن هؤلاء هاجموا بعضهم بعضاً ليس أقل من ذلك - باراك وقف ضد أشكينازي، ويعلون هاجم باراك والعكس بالعكس. وبالاضافة إلى الترسبات الشخصية للمتحدثين الأساسيين في مؤتمر هرتسليا، فهناك أيضاً ثغرة إيديولوجية كبيرة تُفرق بينهم: يعلون يعارض فكرة الدولتين ويعتقد أن الحل مع الفلسطينيين لن يتحقق حتى بعد 200 سنة وهو لا يريد أن يرى في الجوار أي وزير خارجية أميركي نصير للسلام، في حين لا يتوقف باراك عن الحديث عن عملية سياسية وعن الزمن الذي يمر ويعمل ضدنا.
•ما يجمع بين هؤلاء كلهم ليس واضحاً، ويجب أن نشير إلى أنه خلال السنوات القريبة القادمة من المنتظر ظهور أحزاب وحركات كثيرة تنشط في ظل فكرة إسقاط نتنياهو. وشخصياً لا أظن أن باراك سيصبح زعيماً لحزب، ففي المرة الأخيرة التي تزعم فيها حزب العمل في 2009 حظي الحزب بـ13 مقعداً. واستقال باراك من الحزب في 2011، وأقام حزباً مستقلاً وكان قادراً على خوض الانتخابات من خلاله في 2013، لكنه قرر الانسحاب من الحياة السياسية، وعلى ما يبدو فإنه آنذاك عرف حجم قوته وسط الجمهور.
•وماذا بالنسبة إلى يعلون؟ يبدو لي أن الخطأ السياسي الكبير الذي ارتكبه يعود إلى أيامه في حزب الليكود. لم يكن واعياً لأهمية أن يبني لنفسه معسكراً كبيراً من المؤيدين طوال سنوات، لأنه أراد أن يحافظ على صورته المهنية. ولو كان لدى يعلون قوة في الليكود لما تجرأ نتنياهو على إبعاده عن وزارة الدفاع، مثلما لم يجرؤ مثلاً على تحريك يسرائيل كاتس من مكانه. ولو كان يعلون يملك قوة في الليكود، لكان في إمكانه منافسة نتنياهو داخل الليكود. الآن أصبح يعلون في الخارج، وفي كل يوم نسمع عن تكتل مختلف وانضمام جديد، بطريقة تذكرنا بأسلوب انتقال لاعبي كرة القدم من فريق إلى آخر خلال الصيف.
•ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الكلام الصادر عن أشخاص يملكون خبرة غنية وقادوا هذه الدولة ويرون إلى أين هي ذاهبة. لم يكن رئيس الحكومة مضطراً لأن يشعر بالضغط من هذا الكلام قبل وقت قليل من ذهابه إلى العطلة الصيفية، لكن إسراعه إلى الرد ربما كشف عدداً من نقاط الضعف. لقد كان نتنياهو دائماً حساساً تجاه كل ما يقوله ويفعله إيهود باراك. وإذا كان باراك تحدث عن براعم فاشية، فيبدو لي أننا نرى هنا تحديداً براعم قوة جديدة لاستبدال رئيس الحكومة.
إيهود باراك أثناء إلقاء كلمته في مؤتمر هرتسليا