ماذا تعلمت خالدة جرار من تجربة السجن الإسرائيلي؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•في الأيام الأولى التي أعقبت خروجها من السجن في 2 حزيران/يونيو وصفت خالدة جرار السجن بصيغة الحاضر. "نخرج إلى الباحة مرتين في اليوم، من الساعة العاشرة والنصف حتى الساعة الواحدة، ومن الساعة الثانية والنصف حتى الساعة الخامسة"، هذا ما روته جرار لمجموعة من الصديقات والناشطات في نهاية الاستقبال الذي استمر ساعات طويلة في ساحة مبنى المجلس التشريعي الفلسطيني في رام الله. وقالت "كنا 61 امرأة وفتاة وقاصراً في السجن، 41 في سجن هاشارون، و20 في سجن دامون". في دامون المعتقلات اللواتي قيد المحاكمة، وفي "هاشارون" المعتقلات اللواتي صدرت أحكام بحقهن، والقاصرات والجريحات اللواتي أصبن عامة بنيران إسرائيلية أثناء تلويحهن بسكين أو محاولتهن طعن جندي (إحداهن أصيبت بحروق بليغة نتيجة انفجار بالون من الغاز). 

•كان هناك عشر جريحات في الجناح، خمس فتيات بالغات وخمس قاصرات. في المؤتمر الصحافي الذي عقدته جرار فور إطلاق سراحها لم تتحدث عن ماذا يعني العيش مع جريحات بالرصاص في نفس الغرفة أو الجناح. وفي أحاديث فردية توسعت قليلاً في الحديث مع الحرص دائماً على عدم المس بالحياة الشخصية للنسوة، وهي مدحت أكثر من مرة الأسيرة المخضرمة لينا الجربوني التي أخذت على عاتقها مهمات صعبة ويومية مثل استحمام الجريحات غير القادرات على القيام بذلك بأنفسهن، ومرافقتهن إلى العيادة وإلى العلاج الفيزيائي، وتحضير وجبات ساخنة. 

•تحدثت عضو البرلمان الفلسطيني بصيغة الجمع، ولم تتحدث عن مصاعبها الشخصية خلال الـ14 شهراً من الاعتقال، وإنما عن مصاعب عامة. الكاميرات والصحافيون ركزوا عليها بصفتها "المشهورة"، لكنها تحدثت باسم المجموعة التي منحتها الحياة المكثفة معها الفرصة كي تستخدم قدراتها وتجربتها السياسية وموقعها كامرأة في الحياة العامة. وبواسطة هذا الموقع مثلاً طلبت هي والجربوني من معتقلة من مؤيدي داعش وهي مواطنة من عرب إسرائيل، الاحتفاظ بآرائها وأفكارها الخطرة لنفسها وعدم مشاركة باقي الأسيرات بها.

•استغلت جرار الأشهر الخمسة الأخيرة لاعتقالها (بعد أن أدينت بتهمتين من أصل 12 بنداً اتهامياً: التحريض والعمل في صفوف الجبهة الشعبية)، كي تقوم بدراسة ميدانية للمعتقلات من وجهة نظر جندرية. في المجتمع الفلسطيني حيث تشير تقديرات مختلفة إلى أن قرابة 800 ألف من أبنائه وبناته اعتقلوا لفترات مختلفة في السجن الإسرائيلي، يوجد الكثير من الأبحاث عن الاعتقال. لكن الجزء الأكبر من هذه الأبحاث لا يصف التجربة من وجهة نظر المعتقلين في السجن. لقد أجرت جرار مقابلات مطولة مع 36 امرأة تطرقت فيها إلى جميع أنواع التفاصيل والنواحي: قبل الاعتقال، وخلاله (الإصابة بجروح)، التحقيق، والمحاكمة، والأسر. بعضهن قلن لها إنها أول شخص يسألهن ويستمع إلى تفاصيل حياتهن.

•إن العامل الذي أتاح لجرار استخلاص خلاصات عامة هو القفزة الدراماتيكية في أعداد النساء الفلسطينيات اللواتي اعتقلن خلال فترة اعتقالها. هذه القفزة الدراماتيكية أكدت ظاهرة أن ما يدفع النساء إلى الاعتقال هو "أسباب اجتماعية". وقد أدى ذلك إلى مجيء وفد مؤلف من أربعة ممثلين عن وزارة العدل الإسرائيلية إلى سجن هاشارون كما روت جرار لـ"هآرتس": "سأل هؤلاء ماذا يمكن أن نفعل مع هؤلاء النسوة، قلت لهم إن مكانهن ليس في السجن، وإنه يجب إطلاق سراحهن ومهمة المجتمع الفلسطيني الاهتمام بهن والحرص عليهن". 

•يمكن العثور على نموذج لهذه "الأسباب الاجتماعية" هذا الأسبوع في المحكمة العسكرية في عوفرا. فقد اعتقلت أ.ب في مطلع الأسبوع بالقرب من حاجز قريب من الحرم الإبراهيمي، وعثر في حقيبتها على سكين طوله 15 سنتيمتراً. ألقي القبض عليها من دون مقاومة، وأثناء التحقيق معها وخلال جلستين عقدتهما المحكمة (يوم الاثنين والثلاثاء) من أجل تمديد اعتقالها ظهرت الأسباب: فقد تشاجرت مع زوجها الذي لا يعطي مالاً للأولاد. وذكرت نيتسا أمينوف وهي ناشطة يسارية تحضر على الدوام نقاشات المحكمة العسكرية في عوفرا، أن المدعي العام النقيب ألحنان دريفوس، قال لها إن النيابة العامة العسكرية أصبحت تعرف أن العديد من النساء يأتين إلى الحواجز مع سكاكين بسبب مشكلات منزلية. وعلى الرغم من ذلك، فقد طالب بمواصلة توقيف أ. ب حتى انتهاء إجراءات التحقيق.

•قبل اعتقالها كرّست جرار جزءاً كبيراً من نشاطها السياسي والاجتماعي لموضوع الأسيرات الفلسطينيات. وأدارت منظمة "أدمير" لحقوق الإنسان ودعم الأسير. وفي المجلس التشريعي الذي انتخبت عضواً فيه سنة 2006 كممثلة عن قائمة أبو علي مصطفى (الأمين العام للجبهة الشعبية الذي اغتالته إسرائيل في آب/أغسطس 2001)، كانت رئيسة لجنة متابعة وضع الأسرى. وحين سألتُها هل وجدت في بعض المعلومات التي جمعتها عن النساء أمراً فاجأها خلال فترة أسرها فأجابت من دون تردد: "فوجئت بوجود أمور لم تنجح المؤسسات المختلفة في الدفاع عن حقوق الأسرى في حلها. على سبيل المثال، البوسطة (نقل الأسيرات إلى المحاكم والمستشفيات وإلى سجون أخرى). لماذا لا يمكن حل هذه المشكلة التي يشتكي منها جميع الأسرى؟، الإسرائيليون اليهود والفلسطينيون، المجرمون والمعتقلون الأمنيون، بل حتى المؤسسات الإسرائيلية انتقدتها".

•كانت البوسطة هي التجربة الأقسى التي عانتها جرار خلال فترة اعتقالها، وهي المرة الوحيدة التي تستخدم فيها صيغة المفرد في الكلام. خلال الأشهر الثمانية التي استمر فيها اعتقالها والتي جرت خلالها محاكمتها، نُقلت جرار نحو 40 مرة. تقول جرار: "إذا كنا نحن الأصحّاء نمرض يومين وثلاثة بعد كل عملية انتقال، فماذا نقول عن المصابات بجروح بالرصاص؟".

•تروي جرار: "البوسطة هي عبارة عن شاحنة أو حافلة مقسمة إلى عدة زنزانات، في كل واحدة مكان لأسيرين أو أسيرتين. الخروج من السجن إلى البوسطة يجري نحو الساعة الثانية قبل الفجر، المقاعد من حديد. كل حجر أو حفرة أو منعطف على الطريق يجعلنا نقفز من الألم. قبل صعودنا إلى البوسطة يكبل الحراس أيدينا وأقدامنا، بحيث يصبح كل معتقل مجبراً على التحرك وصعود الدرج بخطوات صغيرة ومحسوبة. وعندما يكون هناك حقيبة يجب جرها عند الانتقال إلى سجن آخر تصبح العملية أكثر تعقيداً"... تقوم البوسطة بتجميع المساجين من عدة سجون: من اليهود، والعرب، ومن المجرمين والمتدينين، ومن النساء والرجال. تقول جرار إن الجربوني قدمت عدة شكاوى إلى إدارة السجون عن تعرض النساء إلى التحرش الجنسي والإساءة الكلامية والكلام العنصري خلال عمليات الانتقال المشتركة. 

•يوضع السجناء في الأقفاص الحديدية في سجن الرملة، حيث يوجد سجناء من سجون أخرى هم أيضاً في طريقهم إلى المحكمة العسكرية أو إلى المستشفى، أو إلى سجون أخرى. وهناك يطول الانتظار ثلاث أو أربع أو خمس ساعات تبدو كأنها 50 ساعة، يبقون مكبلين بالأصفاد من دون أن يسمح لهم بالذهاب إلى دورات المياه.

•بعد الانتظار في سجن الرملة تتابع البوسطة طريقها إلى السجن العسكري في عوفرا، جنوب- شرق رام الله. هناك يساق المعتقلون إلى كرافان يستخدم كقاعة محكمة. ويجري وضعهم في زنزانة لكن الأصح تسميتها بالبراد، لأنها باردة حتى في الصيف. وتروي جرار "بعد الجلسة نعود إلى "البراد" وننتظر البوسطة التي تنقلنا مجدداً إلى الرملة حيث ننتظر ساعات طويلة مكبلين قبل عودتنا إلى السجن، أحياناً في منتصف الليل وأحياناً أخرى الساعة الثانية صباحاً". وبسبب البوسطة بدأت خالدة بتعلم اللغة العبرية كي تفهم ما يقوله الحراس وكي تستطيع أن تطلب منهم شيئاً.

[.......]

 

•قبل نهاية مدة اعتقالها التقت جرار إحدى المسؤولات عن السجن وتحدثتا معاً. قالت لها جرار إن المشكلة هي الاحتلال، والمدهش أن المسؤولة وافقتها على ذلك.