تغيّر تدريجي في هوية اليمين التاريخي وصعود تيار اليمين الإثني
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•يتضح من متابعة النقاشات السياسية في وسائط الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، أن كثيرين يرون في التغيير الذي طرأ على تركيبة الحكومة تعبيراً عن تحرك الطبقات التكتونية التي تستند إليها المنظومة السياسية في إسرائيل. وقد نشأ هذا التحرك جراء تزايد الضغوط من الأسفل نحو الأعلى. ويعبر التحرك الحالي عن تغيير تدريجي في الهوية الفكرية لليمين الإسرائيلي.

•منذ بضعة عقود يشكل اليمين عنصراً مركزياً في الائتلافات الحكومية. واقترابه من مكانة المعسكر المهيمن لوحظ  منذ الانتفاضة الثانية. وعلى هذه الخلفية سيقول كثيرون إن الجمهور الإسرائيلي تحرك نحو اليمين. 

•في المقابل، هناك من سيشير إلى ضعف إيديولوجيا أرض إسرائيل الكاملة التي شكلت قبل نحو 20 عاماً، على الأقل رسمياً، القاسم المشترك لليمين الإسرائيلي، بينما توجد اليوم أجزاء لا بأس بها من هذا المعسكر تعبر عن استعدادها لتقديم تنازلات جغرافية وحتى قيام دولة فلسطينية. وما تصريحات بنيامين نتنياهو في بار إيلان [التي أعلن فيها سنة 2009 دعمه لحل الدولتين لشعبين] وإعلان أفيغدور ليبرمان أن الحدود المستقبلية ستتبع طريق 6، سوى تعبير عن هذا التغير الذي له مؤيدوه أيضاً في استطلاعات الرأي العام.

•إن التناقض الداخلي بين هذين الاتجاهين يمكن تفسيره من خلال التمييز بين البعد الجغرافي في مواقف اليمين الآخذ في الضعف، والبعد الإثني الذي يزداد قوة. إن البعد الجغرافي المتعلق حصراً بالمناطق [المحتلة] هو الذي صار معسكر اليمين يعرف بموجب موقفه منه، وذلك في الواقع الذي نشأ بعد حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967]. ولكن لاحقاً، ساهمت عملية أوسلو في تليين مواقف الليكود [الذي كان يرفض التنازل عن أي جزء من المناطق المحتلة]. وبدأ نتنياهو يظهر ليونة بعد أن فاز في انتخابات 1996، فقد قبل باتفاق أوسلو [بعد أن كان يرفضه] وواصل التفاوض مع السلطة الفلسطينية. بيد أن انهيار المفاوضات ونشوب الانتفاضة الثانية أعاقا هذا المسار من دون أن يوقفاه، كما اتضح في مبادرة الانفصال [عن قطاع غزة تموز/يونيو 2005] التي قام بها أريئيل شارون. ومن المحتمل أن ابتعاد الفرص الحقيقية للسلام تحديداً، هو الذي سهّل على أجزاء من معسكر اليمين إعلان استعدادهم القبول بتسوية جغرافية في إطار اتفاق، إذا، وعندما، يتحقق هذا الأمر.

•في المقابل، فإن البعد الإثني الذي يتصل بمركزية المكون اليهودي في هوية الدولة والتوازن بين هذا المكون والمكون الديمقراطي، ازداد قوة داخل معسكر اليمين. ويتذكر الجميع توجه نتنياهو في يوم الانتخابات [إلى الناخبين اليهود] بالقول: "الناخبون العرب يتوجهون بأعداد كبيرة إلى صناديق الانتخاب". وسبق ذلك شعار حزب إسرائيل بيتنا في انتخابات 2009 القائل: "وحده ليبرمان يفهم العربية". والتشديد على المكون اليهودي يجري من دون علاقة بالأمن: اقتراح إلغاء اللغة العربية بصفتها اللغة الرسمية الثانية في الدولة يعبر عن هذا التوجه، وكذلك اقتراح عضو الكنيست بتسليل سموتريتش الفصل في غرف الولادة [بين النساء اليهوديات والنساء العربيات].

•إن ازدياد قوة البعد الإثني يؤثر على العلاقة بالأقليات بصورة عامة، وليس فقط على العلاقة بالعرب، وتدل معارضة هجرة المهاجرين من إفريقيا على أن الخوف من خسارة الهوية اليهودية لا ينحصر فقط بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وعلى الأرض، فإن حوادث مثل مقتل عائلة الدوابشة في دوما، ومقتل الفتى الفلسطيني محمود أبو خضير في القدس، هي بمثابة تعبيرات متطرفة عن هذا التوجه، على الرغم من أنها ليست مقبولة لدى جميع الذين يتماهون معه.

•يعتبر حزب إسرائيل بيتنا الممثل الأبرز لهذا التوجه. وتجمع خطة ليبرمان السياسية بين الاستعداد لتنازلات جغرافية مع تبادل مناطق بما يؤدي إلى إخراج مواطنين عرب من الدولة، أي إجراء تبادل على أساس إثني. لكن المشكلة هي في غياب التوازن: فبينما هناك إسرائيليون لا تتنازل الدولة عنهم أبداً، هناك مواطنون تحاول الدولة وفقاً للخطة، إبعادهم عنها- أو على الأقل فتح الباب أمام تخليهم عن مكانتهم كمواطنين. وهذا يجسّد التغير الذي يحدثه تزايد قوة البعد الإثني على مفهوم الديمقراطية في إسرائيل، حيث تشكل المساواة بين المواطنين مبدأ ديموقراطياً من الصعب جداً أن ينسجم مع تزايد قوة البعد الأثني في الدولة.

•ثمة سمة ديمقراطية أخرى، التسامح والتعددية، ستتضرر إذا ضعفت مكانة اللغة العربية في الدولة، اللغة التي يتحدث بها نحو خمس سكان الدولة، كما أن المبادرات لإضعاف مكانة المحكمة العليا ستزيد قوة السلطتين الباقيتين [الكنيست والحكومة] اللتين تمثلان قرار الأكثرية. وهذا سيضعف مبادئ ديمقراطية اضافية، مثل المحافظة على حقوق الأقليات وحقوق الفرد. وتعكس تصريحات داني دانون بأن إسرائيل ديمقراطية زيادة عن اللزوم، هذا التفكير، وكذلك التأييد الذي عبر عنه أوفير أوكانيس للمكارثيين.

•تسبب هذا التغير في انقسام في أوساط اليمين، فيقف من جهة ممثلون بارزون لليمين التاريخي، يؤمن أغلبهم بمبادىء زئيف جابوتنسكي، ومن بينهم رئيس الدولة رؤوفين ريفلين وعضو الكنيست بِني بيغن. ويمينية هؤلاء جغرافية في الأساس. لكن تمسكهم بقيم الديمقراطية الليبرالية أبعدهم عن اليمين الجديد، وهم يجدون صعوبة في العثور على مكان لهم في معسكر اليمين حالياً. وينتمي موشيه يعلون وفقاً لمواقفه، إلى هذا اليمين التاريخي. وعلى هذه الخلفية يمكننا أن نفهم لماذا كان من السهل التضحية به تحديداً، من أجل ضم إسرائيل بيتنا إلى الحكومة.

 

•هناك ليبراليون آخرون مثل دان مريدور، وميخائيل إيتان، وإيهود أولمرت وتسيبي ليفني لم يعودوا يلائمون الليكود لأن مواقفهم الجغرافية أصبحت أكثر مرونة مع السنوات. لذلك خرج الاثنان الأولان من الحياة السياسية، وخرج الآخران من معسكر اليمين.