البديل الثالث: حرب أهلية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•في وعي كل من الجمهور الإسرائيلي والعربي والمجتمع الدولي يسود افتراض أن الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، يتجهان بالضرورة نحو الحسم بين احتمالين هما: دولة واحدة، أو دولتان لشعبين. غير أن تحقيق أي منهما لا يمكن أن يكون امتداداً طبيعياً للواقع، بحكم الاختلاف الجوهري والمبدئي بينهما وبين الواقع. ويستلزم تحقيق أي من الخيارين استعداداً وطنياً بحجم أهمية إقامة دولة. وحكومات بنيامين نتنياهو التي تتهرب منذ عقد ونيف من الحسم، وتمتنع عن الاستعداد المطلوب، تقود الجانبين إلى بديل ثالث، أساسه الفوضى.

•يتطلب تحقيق فكرة الدولتين استعداداً وطنياً كثيف الموارد لمعالجة نتائج المحاولة التي بذلت على مدى 50 عاماً لمحو الخط الأخضر وتغيير الواقع الديموغرافي في الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن هذه المحاولة لــم تحقـق الغايـة السياسية المطلوبة – إيجاد ظروف لضم الضفة الغربية من دون المساس بالرؤية الصهيونية لدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية - فإنها نجحت في إرساء حقائق في مجالات عديدة.

•يشمل الاستعداد لاحتمال إقامة دولتين، بين جملة أمور، إجلاء قسم من المستوطنين واستيعابهم في إسرائيل، وتهيئة مدينة القدس لإقامة عاصمتين، مع التشديد على نظام خاص للأماكن المقدسة، وانخراطاً في آلية دولية لتسوية مسألة اللاجئين [الفلسطينيين]، وفصلاً اقتصادياً، وإقامة معبر بين جزئي الدولة الفلسطينية، وإنشاء حدود جديدة وشبكة طرقات ومعابر، وإعادة تموضع الجيش الإسرائيلي، وخطة لإدارة المرحلة الانتقالية بين توقيع الاتفاق والوضع الدائم.

•إن إصرار نتنياهو على إنكار أبعاد الخطوط المعروفة لتحديد حدود متفق عليها، وعلى عدم الاستجابة لاقتراح الفلسطينيين الاتفاق أولاً على الحدود، يمنع حتى الفلسطينيين الذين يعانون جراء قدرة حكم محدودة، من إعداد خطة رئيسية [master plan] وفقاً للحدود المستقبلية لدولة فلسطين.

•الاستعداد لدولة واحدة أصعب كثيراً. هناك أربعة تحديات لم يتنبه لها أنصار الدولة الواحدة وأرض إسرائيل الكاملة: إسرائيل لن تستطيع تجنب ضم قطاع غزة، بالإضافة إلى الضفة الغربية إذا وافق الفلسطينيون على دولة واحدة. وهناك تحدٍ إضافي يتمثل في ضرورة الحسم بشأن أهداف الجيش الإسرائيلي وخصائصه، وطابع مؤسسات الأمن الأُخرى. ويتطلب استيعاب السلطة الفلسطينية، التي لها سمات دولة عالم ثالث، ضمن اقتصاد إسرائيل الذي هو جزء من [منظومة] الدول المتطورة، يتطلب تحضيرات في مجالات التعليم والصحة والتقديمات الاجتماعية وسواها. وفي الختام، سيتوجب على الدولة الواحدة التصدي لمشكلة استيعاب قسم من اللاجئين [الفلسطينيين] الذين سيعودون إلى داخل حدودها. إن تكريس الوضع القائم من جانب نتنياهو، من أجل ضمان بقائه السياسي كرئيس للحكومة، ليس بالتأكيد خطة للاستعداد. وكذلك الأمر بالنسبة إلى أفكار الضم الجزئي التي يطرحها نفتالي بينيت، والتي تفتقر إلى أي إمكانية للتطبيق سياسياً وأمنياً وعملياً وقانونياً.

 

•البديل الثالث آخذ في التطور بحكم غياب حسم سياسي. وهذا البديل هو استمرار مباشر للواقع القائم، ومن شأنه أن يفرض نفسه على إسرائيل في ظروف معينة، منها: انهيار السلطة الفلسطينية، وفشل منظومات العيش في قطاع غزة، واندلاع موجة جديدة من العنف، إذا ما وضع العرب في إسرائيل والفلسطينيون أيديهم بأيدي بعضهم البعض. ومن الصعب رسم معالم الوضع بوضوح، لكن يمكن تحديد أنه سيحمل سمات حرب أهلية، منها: فوضى حكم جزئية جراء التوتر المتنامي بين القيادة الأمنية/العسكرية ووزراء الحكومة؛ عنف على مستوى الأفراد يومياً بسبب ضعف قوة الشرطة؛ انهيار مكانة محكمة العدل العليا؛ مظاهر مسلحة. وسيلحق كل ذلك ضرراً بالاقتصاد وبالتماسك المجتمعي، وسيكون بمثابة دعوة إلى تدخل دولي على شكل حملات مقاطعة، ومراقبين، بل وحتى عقوبات.