بعد 8 هجمات خلال 12 ساعة من الواضح أن هذه ليست موجة إرهاب - إنها انتفاضة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•حظيت الحادثة الدموية التي وقعت في شارع رقم (1) يوم (الأحد)، بصورة طبيعية، باهتمام وسائل الإعلام. ولدى المقارنة، يبدو أننا اعتدنا تقريباً تعاقب الأحداث اليومية على جبهة الإرهاب، تقريباً اعتدناها. إن حادثة أخرى خطيرة - فقط هي ما يبرر البث المباشر في المحطات التلفزيونية أو يحتل العنوان الرئيسي على الصفحة الأولى في صحيفة اليوم التالي. النزف اليومي مستمر. لقد تحولت الحوادث التي يحاول فيها فلسطيني طعن إسرائيلي، بما في ذلك رجل أمن، وتُطلق النار عليه ويُقتل، إلى روتين، وهي تقريباً لا تثير الاهتمام. المطحنة الإخبارية تنشر هذه الأخبار لساعات محدودة، وفي اليوم التالي لا يبقى منها أي أثر.

•وعلى الرغم من ذلك، فقد كان ذلك يوم الأحد ذاك استثنائياً للغاية، فخلال 12 ساعة سُجلت ثمانية حوادث في القدس الشرقية والضفة الغربية ملخصها: ثلاث محاولات طعن، وثلاث هجمات بإطلاق نار، وهجومان بعبوات ناسفة. لم تقع إصابات في الجانب الإسرائيلي في حين قُتل خمسة فلسطينيين وأصيب آخر بجروح بليغة - جميعهم من منفذي الهجمات وأصيبوا بنيران الجنود والشرطة. إنها انتفاضة بكل معنى الكلمة برغم أن السلطات ما تزال مصرة على عدم تسميتها باسمها.

•ما تزال معظم هذه العمليات غير منظمة من قبل بنية تحتية إرهابية معروفة. لكن بعض الحوادث هي من صنع خلايا محلية، وقام بها شبان من القرية عينها أو الحي عينه قرروا القيام بهجوم معاً انطلاقاً من افتراض أنهم بذلك يتسببون بضرر أكبر. في هجوم إطلاق النار الذي قتلت فيه المجندة هدار كوهين بالقرب من باب العمود قبل أسبوعين، شارك ثلاثة شبان من قرية قباطية مسلحين بالبنادق والسكاكين. أول من أمس وفي المكان عينه، فتح المخربون النار من سلاح محلي الصنع. وحتى استخدام العبوات الناسفة هو جديد نسبياً في المواجهة الحالية. وتدل تجربة الماضي على أن هجوماً بعبوة هو دائماً من عمل خلية وليس من عمل مخرب فرد.

•يحدد الجيش الإسرائيلي بداية العنف بمقتل الزوجين هانكين بالقرب من نابلس في الأول من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي. لقد مرت أربعة أشهر منذ ذلك الوقت. وهذه فترة مشابهة تقريباً في مدتها للمرحلة الأولى من الانتفاضة الثانية التي بدأت مع زيارة أريئيل شارون إلى الحرم القدسي في نهاية أيلول/سبتمبر 2000 واستمرت حتى فوز إيهود باراك في الانتخابات في شباط/فبراير 2001. في الجولة الحالية قُتل حتى الآن 31 إسرائيلياً و174 فلسطينياً (ثلثا القتلى من الفلسطينيين هم من منفذي الهجمات الذين أطلقت عليهم النار أثناء هجومهم). في الفترة الموازية من الانتفاضة الثانية قُتل 58 إسرائيلياً ونحو 320 فلسطينياً، أي الضعف لدى الطرفين تقريباً.

•ولكن هناك فروقاً: لا يوجد هذه المرة تظاهرات كبيرة في الضفة والقطاع هادئ نسبياً. وبرغم تورط أربعة من رجال الأمن الفلسطيني في تنفيذ هجمات، فإن السلطة الفلسطينية ما تزال خارج صورة العنف. لكن على الرغم من ذلك، يجب عدم الاستخفاف بأهمية الاضطرابات الحالية وتأثيرها: إلحاق الأذى بشعور الأمن الشخصي للإسرائيليين، في الضفة الغربية وبصورة أقل داخل حدود الخط الأخضر، زعزعة علاقات اليهود بالعرب داخل إسرائيل (شهدت الفترة الأخيرة وقوع حادثي طعن واحد في الرملة والثاني في راهط)، تصاعد التوجهات المكارثية وسط اليمين الإسرائيلي والبلبلة التي تسود لدى اليسار.

•في العام 2003 عندما بدأت إسرائيل في بلورة رد عملياتي على ارهاب الانتحاريين الفلسطينيين (جاء ذلك بعد مقتل مئات الأبرياء)، اعترف رئيس الشاباك حينذاك آفي ديختر بأن الأجهزة الأمنية وبينها الشاباك "لم تنجح في تأمين السترة الواقية التي يحتاج إليها شعب إسرائيل". واليوم في مواجهة تهديد أقل بكثير، يبدو أن الأجهزة الأمنية ما تزال تبحث عن حل. لقد اعترف رئيس الأركان غادي أيزنكوت في الشهر الماضي بأن الجيش والشاباك لم يكن لديهما أي إنذار استخباراتي قبل 101 هجوم طعن ودهس. ومنذ ذلك الحين ازداد العدد ولم يحدث أي تغيير إيجابي. وتتواصل المساعي من أجل تطوير طريقة تتيح رصد شبكات التواصل الاجتماعي الفلسطينية بشكل أفضل، وتشعل الضوء الأحمر إذا نشرت أشياء تدل على نية للقيام بهجوم في الأمد القريب.

•الاعتراف بالفجوات والإخفاقات من جانب ديختر وحتى أيزنكوت، أقدم عليه المستوى المهني، لكن لم نسمع من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حتى الآن شيئاً في هذا الشأن، باستثناء تصريحات متشددة تتعلق بحصانة إسرائيل وتوجيه اصبع الاتهام نحو السلطة الفلسطينية. لقد زار نتنياهو الأسبوع الماضي الحدود مع الأردن وتعهد بمواصلة إحاطة إسرائيل بالجدران من أجل قطع الطريق على "الحيوانات المفترسة" الموجودة في الخارج، على حد تعبيره. لكن في مواجهة إرهاب السكاكين داخل الجدران يصعب عليه تقديم حل.

•استمر السلوك العسكري في المواجهة الجارية مضبوطاً للغاية. وعلى عكس الوضع في الانتفاضة الثانية، قلما يستخدم الجيش النيران القاتلة في الضفة، وعدد القتلى من الفلسطينيين في تظاهرات عنيفة منخفض جداً. وبصورة عامة، فإن الأوامر التي تفرض قيوداً على فتح النار ما تزال على حالها برغم التشجيع المتهور لعدد من الوزراء وأعضاء الكنيست ورجال الأمن على إطلاق النار أولاً ومن بعد ذلك طرح الأسئلة. 

•من المحتمل جداً لو أن الجيش قتل عدداً أكبر من الفلسطينيين وفرض قيوداً على دخول العمال من الضفة للعمل في إسرائيل، أن تكون نسبة المشاركين في المواجهات أكبر بكثير. ويعتقد الجيش والشاباك أن مثل هذه الخطوات يمكن أن تدفع الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية والمسلحين من تنظيم ["فتح"] إلى جبهة العنف. في مثل هذه الحال، سيتطور الوضع بسرعة كبيرة إلى حمام دم مثلما حدث في الانتفاضة الثانية. كما أن استمرار الهدوء في قطاع غزة ليس مضموناً في ضوء تقدم مشروع أنفاق "حماس". وفي الخلفية تبقى مطروحة مسألة وراثة محمود عباس في منصب الرئاسة الفلسطينية. وكلما ازدادت حدة الصراع بين ورثته المحتملين فسيكون من الصعب عليهم اظهار دعم علني لاستمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل، وذلك على الرغم من استمرار التنسيق عملياً على أرض الواقع.

 

•على الرغم من قوة الإرهاب، يبدي وزير الدفاع موشيه يعلون ورؤساء الأجهزة الأمنية شجاعة لا بأس بها من خلال المبادرة إلى زيادة 30 ألف إذن عمل للفلسطينيين في إسرائيل، ورفضهم تطبيق عقوبات جماعية واسعة في المناطق. لكن في ضوء الغياب الكامل للعملية السياسية والعدد الذي لا يُحصى من الشباب الفلسطينيين المستعدين لقتل إسرائيليين وتعريض حياتهم للموت، فإن كل ذلك لا يعدو كونه تضميداً للجروح دون علاجها. فاستمرار الهجمات - التي لا يبدو حتى الآن أن هناك ما يمكن أن يوقفها - سيؤدي في نهاية المطاف إلى ضغط جماهيري على حكومة نتنياهو لاتخاذ خطوات أكثر تشدداً ضد الإرهاب. وفي مثل هذه الظروف، يبدو استمرار الصراع وتصاعده التوقع المعقول.