حصار حلب يرمز إلى انهيار سياسة أوباما في الشرق الأوسط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•إكتمال حصار مدينة حلب الذي يبدو وشيكاً لا يشير فقط إلى أكبر إنجاز حققه نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية منذ بضع سنوات، بل يبدو أنه يرمز أيضاً إلى شيء آخر: إسدال الستارة على ادعاءات الإدارة الأميركية الحالية في الشرق الأوسط. فتحت غطاء القصف الكثيف لسلاح الجو الروسي وبمساعدة ميلشيات شيعية من عدة دول، تتقدم وحدات الموت للنظام نحو حصار وتجويع، وربما أيضاً نحو احتلال ثاني أكبر مدينة في سورية. والنجاح في حلب يمكن أن يشجع الطاغية السوري بشار الأسد على المجازفة باتخاذ خطوات مشابهة في جنوب سورية وشمالها وغربها. وتنظر واشنطن إلى هذه التطورات بمزيج من القلق والعجز، في وقت يغرق الجمهور الأميركي في دوامة السباق في الانتخابات التمهيدية الى الرئاسة.

•أعداء الأسد ليسوا محبوبين من العالم، فالفظائع التي ارتكبها عناصر تنظيم داعش وجبهة النصرة، العملاء المحليين لتنظيم القاعدة، موثقة جيداً، وأحياناً كثيرة من جانب التنظيمين نفسهيما. وحتى تنظيمات المتمردين التي اعتبرت معتدلة نسبياً وحصلت على مساعدة من الغرب، لم تتردد في أحيان كثيرة في قتل أعدائها وتعذيبهم. في هذه الأثناء، ووفقاً لكل التقديرات التي تنشرها جهات داخل سورية وخارجها، فإن النظام [السوري] ليس مسؤولاً فقط عن الجزء الأكبر من القتلى المدنيين (يقترب العدد الإجمالي للقتلى خلال سنوات الحرب الخمس من 300 ألف)، بل هو مسؤول أيضاً عن أعمال قتل جماعي واغتصاب وتجويع وتعذيب. ويتهم تقرير للأمم المتحدة نُشر هذا الأسبوع النظام بـممارسة "سياسة إبادة" حيال الآلاف من المعتقلين.

•وإذا كانت وحشية الأسد عكست في السابق صراعه اليائس من أجل بقاء النظام الذي كان في حالة تراجع مستمر، أمام القضم المنهجي للمتمردين للأراضي الواقعة تحت سيطرته، فإن الوقائع تغيرت منذ دخول الروس إلى الصورة في خريف 2015. في البداية أدى نشر سلاح الجو الروسي في شمال سوريا إلى تثبيت خطوط الدفاع التابعة للنظام، وأتاح في الشهر الماضي البدء بهجوم بري استطاع أن يحقق نجاحاته الأولى. ومثل الأسد، يستخدم الروس القوة من دون كوابح. وفي شهر كانون الثاني/يناير وحده بلغ عدد الطلعات الجوية الروسيةفي سورية نحو 3000 طلعة- الوتيرة عينها لطلعات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة أثناء عملية الجرف الصامد- وذلك مقابل 800 طلعة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ويتضمن التكتيك المفضل لدى السوريين والروس قصفاً تدميرياً للموضع، لكن السلاح الروسي أكثر دقة بكثير من البراميل المتفجرة التي يستخدمها سلاح الجو السوري. وتشير شهادات موثوقة من سورية إلى أنه في حالات كثيرة تغير الطائرات الروسية مرتين، بهدف ضرب رجال الإسعاف الذين يحاولون إنقاذ المصابين من بين الأنقاض. 

•لا يوجد ما ينافس القوة الجوية الروسية في سورية، في ضوء القدرة الهامشية للمضادات الجوية التي لدى تنظيمات المتمردين. وفي مثل هذه الظروف، فإنه لا داعي لأن تكون القوات البرية التي تساعد الجيش السوري كبيرة بصورة خاصة. ويقدر حالياً عدد المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب النظام بنحو 15 إلى 18 ألف شخص، أكثر من ثلثهم أعضاء في حزب الله، ونحو ألف أو أكثر من رجال الحرس الثوري الإيراني، والباقون أعضاء في ميليشيات شيعية من العراق وأفغانستان ودول أخرى.

•في مواجهة السيطرة الروسية في سورية يتراجع الغرب. المطالبة الصارمة برحيل الأسد حل محلها كلام متلعثم بشأن رحيله واستعداد عملي لتقسيم مستقبلي لسورية بين النظام والمتمردين، وذلك بعد مغادرة الأسد ومجموعة الجنرالات والمقربين منه الذين كانوا شركاء أساسيين في جرائم حرب في سورية. لكن يبدو أنه حتى هذه المطالبة لا نيّة لدى الطاغية ومؤيديه للاستجابة لها خاصة مع رجحان الكفة إلى جانبهم. 

•خلال السنة الأخيرة تغيّر بصورة واضحة سلم أولويات الغرب في سورية. وبدلاً من وقف المذبحة ضد المدنيين أصبح لدى الولايات المتحدة وأوروبا أهدافاً أكثر إلحاحاً. أولاً كبح موجة اللاجئين السوريين الذين يدقون أبواب أوروبا؛ وثانياً منع هجمات على أراضي أوروبية من جانب مقاتلي الجهاد الذين اكتسبوا خبرة في المعارك في سورية. وعندما تحولت هاتان المسألتان وليس الفظائع التي يرتكبها النظام إلى المصدر الأساسي للقلق، أصبح الأسد- ومعه إيران ولا سيما منذ توقيع الاتفاق النووي في تموز/يوليو الماضي- جزءاً من الحل ولم يعد يعتبر مشكلة. 

 

•وهنا يطرح السؤال: هل ما يحدث درس لإسرائيل؟ في الأشهر الأخيرة ناقشت الولايات المتحدة وإسرائيل موضوع بلورة اتفاق المساعدة الأمنية الأميركية للسنوات العشر المقبلة. لقد كانت إدارة أوباما الأكثر سخاء فيما يتعلق بحجم المساعدة الأمنية المقدمة إلى إسرائيل في تاريخ العلاقات بين الدولتين. لكن توجد هوّة كبيرة بين المساعدة وبين التدخل العسكري أو السياسي الفعال في المنطقة، ومن المحتمل أن تزداد اتساعاً في ضوء تزايد معارضة الجمهور الأميركي لتعهدات عسكرية أميركية مستقبلية في الشرق الأوسط. وهذه خلاصة ذات دلالة في ما يتعلق بالحاجة إلى كبح التوقعات بتدخل أميركي من أجل معاودة تحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين، وكذلك بالنسبة لحجم المساعدة التي يمكن ان نتوقعها من واشنطن في أوقات أزمة عسكرية كبرى.

 

 

المزيد ضمن العدد 2310