•ثمة خط مباشر يربط بين القضاء على خلية تابعة لـ"حماس" جرى تبشيرنا به في نهاية الأسبوع الماضي، ومحاولة الهجوم الذي نفذه حزب الله على الحدود الشمالية ضد دورية للجيش الإسرائيلي في منطقة هار دوف [مزارع شبعا]. ففي الحادثين أحبطت محاولة الهجوم أو لم تسفر عن إصابات. لكن الذي لا يقل أهمية عن ذلك حقيقة أن ما حدث يتعلق بتنظيمين مرتدعين لا مصلحة لهما في التسبب بتصعيد على طول الحدود، لكنهما برغم ذلك لم يرتدعا عن اللعب بالنار والمخاطرة بمواجهة شاملة.
•ليس هناك أي مصلحة لـ"حماس" وأيضاً لـحزب الله في مواجهة مع إسرائيل. فما تزال "حماس" تلعق جراح جولات المواجهات السابقة، وبالرغم من محاولاتها اعادة بناء ما دُمر في غزة، فإن القطاع ما يزال مدمراً. كما تعاني "حماس" من عزلة إقليمية لم تعرفها منذ سنوات كثيرة. وحتى حليفتها تركيا، هي اليوم في ذروة جهدها للتوصل إلى مصالحة مع إسرائيل.
•ووضع حزب الله ليس أفضل، فالحزب غارق في السنوات الأخيرة في الحرب في سورية حيث قتل نحو ألف من خيرة مقاتليه. وهذا رقم مهم بالنسبة لتنظيم يبلغ عدد مقاتليه الإجمالي مجرد عشرات الآلاف. وهو يدفع بسبب هذه الحرب ثمناً اقتصادياً باهظاً، وكما أنها أدت إلى وصول الارهاب الإسلامي الراديكالي إلى شوارع المدن والبلدات الشيعية في لبنان.
•إن آخر ما يمكن أن يرغب الطرفان فيه أو يريدانه هو مواجهة شاملة مع إسرائيل. ومع ذلك، فإنهما لا يرتدعان عن اللعب بالنار، ولا يتوقفان عند الضوء الأحمر برغم أنه من الواضح لهما أن النار التي يشعلانها يمكن أن تخرج عن السيطرة.
•عمل حزب الله في السنوات الأخيرة على بناء بنية تحتية موالية له على حدود إسرائيل - سورية في هضبة الجولان. وهو على ما يبدو يفعل ذلك للحؤول دون تورطه في مواجهة مع إسرائيل على الحدود اللبنانية. لكنه عملياً، بعد اغتيال جهاد مغنية، وفي الأسبوع الماضي بعد اغتيال سمير القنطار، فإنه ردّ بطريقة كان من الممكن أن تشعل المنطقة بأسرها. من حسن الحظ أن الحادثة انتهت من دون وقوع اصابات وكانت فشلاً كبيراً بالنسبة لحزب الله. لكن كان من الممكن أن ينتهي الحادث بصورة مختلفة وبعدد كبير من الإصابات بين قواتنا.
•لقد احتوت إسرائيل في السنة الماضية وقبل ذلك أيضاً، مثل هذه الأحداث. وهي بذلك بعثت برسالة خطأ إلى حزب الله مفادها أنها مستعدة لاستيعاب مثل هذه الأحداث والقبول باستفزازات الحزب على طول الحدود في منطقة هار دوف [مزراع شبعا]. لكن كما هو معروف، فإن قدرة إسرائيل على الاستيعاب لها حدود.
•من جهتها، تحافظ "حماس" على الهدوء على طول حدود قطاع غزة وتعمل ضد الأطراف الإسلامية الراديكالية التي تحاول تأسيس وجود لها في القطاع، وحماس تفعل ذلك بصورة أساسية لأن هؤلاء يشكلون قبل كل شيء، خطراً عليها. وهي لا تعمل بصورة صارمة ضد الأطراف الفلسطينية التي تتعاون معها والتي تحاول من حين إلى آخر اطلاق صواريخ بصورة مستقلة في اتجاه إسرائيل. لكن "حماس" أيضاً تتيح لأعضائها في الضفة سواء من خلال توجيه وإرادة من القيادة العليا، أو من خلال التشجيع والدعم، الاعداد لعمليات إرهابية ضد إسرائيل. ولا تعني بذلك المهاجمين الأفراد الذين اختبرناهم في الأشهر الأخيرة، وإنما خلايا منظمة تعد سلفاً عملياتها، ولهذا فإن هذه العمليات قد تكون أشد فتكاً بكثير. وكما هو معروف فقد أدى حادث خطف انتهى بقتل الشبان الثلاثة المخطوفين إلى عملية الجرف الصامد.
•إن غاية كل من "حماس" وحزب الله من وراء محاولات الهجوم واضحة. وعلى الرغم من الافتراض السائد لدينا بأن التنظيمين مرتَدعان وسيفعلان كل شيء لتفادي الوصول إلى مواجهة مع إسرائيل، فإن الوقائع تدل على غير ذلك. فالاثنان مستعدان للعب بالنار ومستعدان لدفع ثمن النار والتدهور إلى مواجهة ربما يفضلان عدم الوصول إليها، لكنهما داخلياً ليسا مرتدعين وليسا خائفين كما هو الاعتقاد السائد لدينا.
•يتضح أنه لكل ردع فعال تاريخ انتهاء للصلاحية. وفي ضوء هذا الواقع، فإن محاولات هجمات جديدة مسألة وقت. يبقى أن نأمل فقط أن تفشل هذه المحاولات أيضاً، وألا تؤدي إلى تدهور المنطقة نحو جولة جديدة من المواجهات.