السنوات التي غيّرت الشرق الأوسط
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف

•مع حلول هذا الأسبوع تكون قد مرّت خمسة أعوام على نشوب "الربيع العربي" الذي غيّر وجه الشرق الأوسط كليّة وأعاد العالم العربي مئات السنوات إلى الوراء، إلى عصر الفوضى والبلبلة، وبوجه خاص إلى التطرف والراديكالية. 

•بداية الربيع العربي كانت تظاهرات شهدتها تونس في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2010 وأدت في غضون أيام قليلة إلى سقوط نظام الرئيس بن علي، منهية عقدين من نظام استبدادي. بعد تونس جاء دور مصر حسني مبارك، الحاكم المخضرم الذي حكم مصر قرابة ثلاثة عقود، ومن بعدها جاء دور ليبيا واليمن وسورية.

•إن الاضطربات التي عصفت بالشرق الأوسط هي إلى حد كبير نتيجة الأزمة المستمرة التي سادت العالم العربي في العقود الأخيرة. وقاد هذه الاضطرابات الجيل الشاب الذي هو نتاج النمو السكاني المتسارع الذي شهده النصف الثاني من القرن العشرين. ففي مطلع الستينيات كان تعداد العالم العربي نحو 100 مليون نسمة، وبعد مرور 50 عاماً وعشية نشوب الربيع العربي أصبح تعداده نحو 400 مليون نسمة، ومن المنتظر أن يبلغ سنة 2050 نحو 700 مليون نسمة. ولم يتوفر لجميع هؤلاء الموارد المطلوبة لتأمين مستوى يسمح بحياة كريمة.

•استُقبلت الاضطرابات في العالم العربي وفي شتى أنحاء العالم بسرور ظاهر وبأمل أن شباب "ميدان التحرير" وأشباههم يحدث تحولاً يسمح للمجتمعات العربية بردم وحتى بتخطي الهوة التي تفصل بينهم وبين المجتمعات في الغرب، وبذلك يمكنهم المضي قدماً نحو ازدهار اقتصادي وحياة ديموقراطية. وشاطر عدد غير قليل من الإسرائيليين هذا السرور وادعوا أن على إسرائيل "السير" مع العملية التاريخية في الشرق الأوسط وعدم الوقوف ضدها، محذرين من أنه إذا لم تفعل ذلك ستظهر إسرائيل وكأنها تنتمي إلى الجانب الخطأ في خريطة الشرق الأوسط المتغير، أي الجانب الذي توجد فيه الأنظمة الديكتاتورية العربية التي قمعت بيد من حديد أبناء شعبها، وألقيت الآن في مزبلة التاريخ.

•لكن سرعان ما اتضح أن ما جرى ليس "ربيعاً عربياً" إنما تحديداً "خريفاً إسلامياً". ففي أغلب الدول العربية وصلت إلى الحكم حركات الإخوان المسلمين التي أرادت أن تصبغ العالم العربي باللون الأخضر (اللون الذي يميز الإسلام وهو لون علم الحركات الإسلامية). وفي بعض الدول مثل مصر وتونس، عاد الهدوء على الأقل بصورة جزئية. لكن هذا لم يحدث في دول عربية أخرى. وفي بعض هذه الدول انهارت مؤسسات الدولة التي كانت منذ البداية قائمة على أسس ضعيفة وحتى مصطنعة وسحقت الشعب الذي كان يعيش في كنفها. وهكذا ضمت الاضطرابات في العالم العربي سورية، وليبيا، واليمن إلى اللائحة الطويلة للدول الفاشلة مثل العراق ولبنان والصومال. وفي صيف 2014 حل محل "الربيع العربي" و"الخريف الإسلامي" "صيف داعش" بعد سيطرة مقاتلي التنظيم على شمال العراق وشرق سورية، وصبغوا هذه المناطق بالأسود (لون علم التنظيم). وفي الواقع، فإن تنظيم داعش وأشباهه في سورية والعراق وليبيا واليمن ولد من رحم الاضطرابات الإقليمية، ونجح في استغلال فشل الشباب العربي في القيادة والسيطرة على الاحتجاج والثورة اللذين قاموا بهما.

•ربما كانت إسرائيل الدولة الوحيدة التي تخوفت وتحفظت من الأحداث التي جرت من حولها، خوفاً من أن تحل محل الأنظمة المعتدلة التي اعتادت عليها حركات إسلامية، تسيطر على الحكم مثل الإخوان المسلمين وهذا ما حصل في البداية. لكن حتى في إسرائيل لم يكن متوقعاً أن يؤدي الربيع العربي إلى فوضى تنمو في ظلها حركات جهادية راديكالية توطد سيطرتها على طول حدودها مثلما فعل داعش، التي وجدت إسرائيل نفسها في مواجهتها تفتقر إلى الردع الذي يسمح لها بالمحافظة على توازن رعب يؤمن لها هدوءاً لفترة طويلة سواء على حدودها الشمالية أو على حدود سيناء. 

 

•وفي أي حال، الشرق الأوسط تغيّر، وانهار  نظام الدولة. والأخطر من ذلك، حل محل العالم العربي، عالم الدولة العربية والقومية العربية، عالم طوائفي عشائري وحركات إسلامية راديكالية تهدد كلها بإعادة العرب مئات السنوات إلى الوراء.