•الأحداث التي خبرتها إسرائيل في الشهر الأخير قاسية ومحبطة. فالتظاهرات العنيفة وخاصة في أرجاء إسرائيل، تضع إمكانية التعايش مع العرب من مواطني الدولة موضع الشك. وأود هنا أن أوضح الصورة وأضع هذه الأحداث في حجمها الصحيح، لأن التعليقات القاسية وعناوين الصحف تزيد من حدتها. نحن نواجه خمسة أنواع من الأحداث:
(1)خلايا إرهابية تستعمل سلاحاً نارياً. فحادثة إطلاق النار المروعة التي قضت على إيتام ونعمة هنكين (1 تشرين الأول/أكتوبر)، والهجوم على حافلة في القدس الذي قتل من جرائه هذا الأسبوع حبيب حاييم وآلون غوبرغ (13 تشرين الأول/أكتوبر)، شكلا ذروة هذا الجهد.
(2)مهاجمون منفردون يستخدمون سلاحاً أبيض. ومعظم هذه الهجمات وقع في القدس أو قام به سكان مقدسيون، و [حدثت هجمات] في شتى أنحاء إسرائيل، من عفولة حتى كريات غات. وحتى الآن وقعت عشرات من الهجمات انتهى معظمها بوقوع جرحى (بعضهم جراحهم بليغة جداً)، لكنها أيضاً أدت إلى مقتل ستة من الذين قاموا بعمليات الطعن، وجميعهم من القدس.
(3)تظاهرات شارك فيها مئات أغلبيتهم الساحقة من الشباب سواء في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] أو في داخل إسرائيل، وجرى خلالها استخدام الزجاجات الحارقة والعبوات المحلية الصنع، ورفعت شعارات حادة وأحرقت أعلام إسرائيل، وتحاول السلطة تطويق جزء من هذه الأحداث في يهودا والسامرة [الضفة الغربية].
(4)عمليات رشق حجارة وزجاجات حارقة في محاور طرق ولا سيما في يهودا والسامرة، يقوم بها أولاد (بأعداد كبيرة جداً ولا تظهر في تقارير الإعلام)، كما تجري أيضاً بالقرب من البلدات العربية في أرجاء دولة إسرائيل (لكن بأعداد أقل).
(5)محاولات من عشرات الفلسطينيين لاجتياز الجدار في غزة. ومعظم هذه الأحداث تجري بتوجيه من حركة "حماس".
•لا يوجد سبب واضح واحد لنشوب هذه الموجة الآن بالتحديد، وعلى ما يبدو هناك تضافر عدد من العوامل المختلفة التي من الصعب توقعها مسبقاً. بدأت المؤشرات على ارتفاع حرارة الأجواء قبل زمن طويل، وبرزت من خلال زيادة كبيرة في رشق الحجارة والزجاجات الحارقة في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] والقدس، ثم تحولت إلى محاولات قتل حقيقية خلال الأسابيع الأخيرة. ومن الواضح أن فكرة "المسجد الأقصى في خطر" كما يسمي الفلسطينيون ساحة جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، كانت أحد العوامل الأساسية لنشوب الموجة.
•وحدث ذلك نتيجة التحريض الذي يقوم به الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل، بتشجيع من "حماس". وحتى السلطة الفلسطينية لها دور في ذلك. لكن من الخطأ اعتبار ما يجري هو فقط نتيجة تحريض ناجح. ويجب أن نفهم ذلك على خلفية الأجواء التي تسيطر على الشرق الأوسط بما في ذلك الحركات السنيّة المتطرفة وفي طليعتها داعش التي تزداد قوة وتلهب مخيلة الشباب.
•إن تزايد الاحتكاك مع المستوطنين، وحرق عائلة الدوابشة في قرية دوما وحقيقة عدم إلقاء القبض على القاتل وإحالته إلى المحاكمة، وتصريحات السياسيين في إسرائيل بشأن الحاجة إلى تغيير الوضع القائم في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، جميع هذه العوامل كان لها تأثير على شعور الفلسطينيين بالاحباط.
•ومن المحتمل أن خطاب أبو مازن في الأمم المتحدة "نهاية أوسلو" ساهم أيضاً في أجواء اليأس.
•ونظراً إلى أن ما يجري نتيجة تأثير معقد لعوامل متفرقة، فإنه من الصعب توقع إلى أين ستسير الأمور، لكن برغم ذلك يجب وضعها في حجمها الصحيح.
•أولاً: من الواضح أن الأحداث مختلفة جداً عن أحداث الارهاب الذي ظهر في الانتفاضة الثانية حينها وأدى خلال شهر واحد إلى مقتل 122 يهودياً. في الموجة الحالية، وبعد أسبوعين هناك 7 قتلى، والفارق كبير في الأرقام.
•ثانياً: بالمقارنة مع عشرات الانتحاريين وحوادث إطلاق النار قبل 15 عاماً، فإن أغلبية محاولات الإرهاب الحالي يقوم بها أفراد بواسطة سلاح أبيض. وهذا دليل واضح على أن سيطرة الشاباك على يهودا والسامرة تسمح بإحباط نشاط الإرهاب المنظم قبل حدوثه. من المهم الإشارة إلى أن التظاهرات تختلف جوهرياً عن تظاهرات سنة 2000، إذ استخدم يومها الجيش الإسرائيلي مليون طلقة مطاطية كي يكبح انتفاضة آلاف الفلسطينيين، في حين لم تضم التظاهرات الأخيرة أكثر من 500 شخص في التظاهرة الواحدة أغلبية المشاركين فيها من الشبان.
•وينطبق هذا أيضاً على التظاهرات في إسرائيل، فمهما كانت خطورتها، فهي أقل خطورة من الأحداث التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر سنة 2000. وتتميز موجة الإرهاب الحالية بأن في 95% منها يُستخدم السلاح الأبيض، وبأن 90% من منفذي الهجمات من سكان القدس وضواحيها القريبة.
•من المهم أن تنتهي الأحداث من دون أي إنجاز فلسطيني، خاصة في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]. لكن محظور على الإطلاق إلهاب المشاعر هناك. ولذا حسناً فعلت الحكومة والشرطة عندما حددت عدد ونوع الذين يسمح لهم بزيارة جبل الهيكل. وبرغم ذلك، ما إن تعود الأمور إلى طبيعتها فثمة حاجة إلى العودة بحزم إلى الوضع القائم الذي كان موجوداً قبل نشوب الأحداث. ويجب أن نوضح أن العنف لن يؤدي إلى تحقيق أي إنجاز، وهذا هو المبدأ الذي يتعين أن يوجه استراتيجية إسرائيل.
•وعلى عكس الانتفاضة الثانية لا حاجة إلى عملية عسكرية. ويجب الحرص على التقليل من تعريض حياة الفلسطينيين الذين لا علاقة لهم بالهجمات للأذى. إن ثمناً دموياً كبيراً يدفعه الفلسطينيون المحرضون أو الذين خضعوا للتحريض، لكن لا يشاركون في الارهاب، سيضر بإسرائيل أكثر مما يفيدها وربما سيؤدي إلى زيادة حدة الوضع. ليس هذا سهلاً، لكن الميزان بين استخدام القوة وضبط النفس في التظاهرات يجب أن يميل نحو ضبط النفس. وفي موازاة ذلك، فإن العمليات ضد منفذي الإرهاب يجب أن تكون حاسمة، والقضاء على منفذي الارهاب حتى لو استخدموا السلاح الأبيض يجب أن يحظى بدعم جميع المستويات.