•إن قرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إمساك الثور من قرنيه وزيارة موسكو برفقة رئيس الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية من أجل لقاء الرئيس بوتين هو قرار صحيح، برغم تصاعد التوتر في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] وفي القدس. ومرة أخرى، ليس الأكثر إلحاحاً واشتعالاً هو المهم والذي ينطوي على انعكاسات استراتيجية على الأمد الطويل. ففي النهاية إن مفتاح معالجة العنف الفلسطيني في القدس موجود في يد إسرائيل، وكل ما هو مطلوب هو النفس الطويل، واليد القوية والحازمة، وبالطبع القيام بسلسلة من الخطوات العملانية والقانونية من أجل معالجة التحريض، والمناوشات، وأعمال الشغب التي يقوم بها غوغائيون أكثرهم من الشبان الصغار من القدس الشرقية.
•لكن الوضع يختلف على الجبهات الأخرى في الجنوب على الحدود مع غزة، وفي الشمال خاصة على الحدود مع سورية ولبنان. فإسرائيل هناك لاعب بين لاعبين آخرين، وليست المبادرة دائماً في يدها، كما أنها لا تملك مفتاح الحل والتهدئة.
•وكما هو معلوم، فقد طرأ شيء جديد على الجبهة الشمالية في الأسابيع الأخيرة مع تعاظم التدخل الروسي في سورية ومن بعده تدخل إيران. إن هدف هذا التدخل هو ضمان بقاء بشار الأسد في منصبه، ومنح الحاكم السوري وحلفائه، مثل حزب الله، ثقة بالنفس يفتقرون إليها عندما كانت ظهورهم إلى الحائط تجاه الإنجازات العسكرية التي يحققها تنظيم داعش والمجموعات الراديكالية الأخرى في ساحات القتال في سورية.
•إن تخوف إسرائيل من صعود داعش في سورية يحل محله اليوم التخوف من قيام "سورية صغرى"، خاضعة ظاهرياً لسلطة بشار الأسد، لكنها عملياً خاضعة لنفوذ إيران وحزب الله. والأخطر من ذلك أن "سورية الصغرى" والأسد وإيران وحزب الله، سيحظون بمظلة روسية. وفي سيناريو من هذا النوع من المحتمل أن يؤيد الأميركيون ذلك، ومثلما فعلوا في العراق، أن يخضعوا المبادئ لمهمة محاربة داعش، ويوافقوا على وجود مقاتلين إيرانيين ومن حزب الله يحاربون داعش على الأراضي السورية.
•إن خطر رشق الحجارة والزجاجات الحارقة في الأحياء العربية في القدس لا يوازي خطر عشرات الآلاف من الصواريخ المتطورة الموجودة لدى حزب الله، ولا يوازي احتمالات الضرر على طول الحدود في هضبة الجولان الذي قد تسببه الخلايا الإرهابية التي تحركها إيران. كما أن الوجود الروسي في سورية قد يلحق ضرراً بالقدرة الإسرائيلية على العمل بحرية ضد هذا الخطر، وقد يعطي دفعاً غير مقصود لهذه النشاطات الخطرة.
•لكن الوجود الروسي ينطوي أيضا على فرص احتمالات وليس على مجازفة فقط، ويمكنه أن يلعب دور الكابح. ففي النهاية بشار بحاجة إلى بوتين بصورة لا تقل عن حاجته إلى إيران وحزب الله. كما أن بوتين وليس الإيرانيون، هو الذي يملك المفتاح من أجل كبح أي تحرك أو قرار على الساحة الدولية ضد سورية، وهو الوحيد الذي يستطيع ردع الغرب عن القيام بمثل هذه الخطوة. علاوة على ذلك، فإن بوتين خلافاً للإيرانيين وحزب الله، لا يريد أن يصبح حاكم سورية وتغيير طابعها، وتشييع سكانها العلويين وسكانها الآخرين وجعلهم على غرار سكان إيران. كل ما يريده بوتين هو الدفع قدماً بمصالحه وضمان مواقع عسكرية لجيشه، وهو من هذه الناحية شريك مريح بالنسبة لبشار. كما أن لبوتين علاقات جيدة مع واشنطن ومع إسرائيل أيضاً.
•عن هذه الأمور وغيرها يمكن التحاور مع الروس، مثل كيف يمكن المحافظة على حرية التحرك الإسرائيلي في سورية غير الموجه لإسقاط النظام السوري، وهو ما تعرفه دمشق وموسكو؛ أو كيفية كبح الوجود المتزايد لإيران وحزب الله في سورية وضمان ألا يهدد ذلك إسرائيل.
•من المثير للسخرية أنه في ضوء الضعف الأميركي تحولت روسيا إلى لاعب مهم يستطيع أن يجمع بين مختلف الأفرقاء، مثلما كانت واشنطن وحدها في الماضي قادرة على الحل والربط. إن علاقات موسكو الجيدة بالقدس، وكذلك مع طهران ودمشق، وفي الفترة الأخيرة مع الرياض والقاهرة، تمنحها فرصة للقيام بدور إيجابي للوساطة وتمكنها من أن تؤمن استقراراً وهدوءاً لم تكن موسكو قادرة على تأمينهما سابقاً. وهذا ما يجب على نتنياهو أن يشرحه لبوتين.