السيسي يتنفس الصعداء، اكتشاف الغاز في مصر جاء في التوقيت الملائم
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•وصلت البشرى بشأن اكتشاف حقل ضخم للغاز بالقرب من الشواطئ المصرية إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو في بداية زيارته التاريخية إلى سنغافورة في طريقه إلى الصين. ومن أصغى جيداً كان في إمكانه أن يسمعه وهو يتنفس الصعداء.

•في مطلع هذا الشهر وافق السيسي على اتفاق بين بلده وشركة BW GAZ النروجية التي مركزها سنغافورة يقضي بتزويد مصر بالغاز السائل بقيمة 60 مليون دولار سنوياً. وهذا الاتفاق يغطي جزءاً صغيراً من استهلاك الغاز في مصر. وفي الشهر الماضي قررت مصر تخصيص ثلاثة مليارات دولار ونصف المليار من أجل استيراد 7.8 ملايين طن من الغاز السائل. لكن حتى هذه الكميات قد لا تغطي الاستهلاك الصناعي كله. وكان السيسي شرح قبل بضعة أشهر أمام مجموعة من الصحافيين أنه لا مفر من اجراء تقليصات ورفع أسعار الوقود لأنه بحسب قوله: "لا أعرف من أين آتي بالمال من أجل شراء الغاز والنفط اللذين تحتاج إليهما الدولة."

•اليوم (الاثنين) يستطيع الناطق بلسان وزارة الطاقة المصرية أن يعلن أنه "خلال خمسة أعوام لن تكون مصر بحاجة إلى استيراد الغاز". صحيح أن البورصة المصرية لم تتأثر كثيراً بهذا الإعلان وأقفلت على ارتفاع 3% فقط، لكن مصانع الإسمنت والحديد الكبرى التي اضطرت في الفترة الأخيرة إلى تقليص إنتاجها بسبب النقص في الطاقة وخفض الدعم عن الغاز بنسبة تراوح بين 30 و70%، بدأت تتحدث عن حقبة جديدة. حقبة لن تعيد هذه المصانع إلى إنتاجها الكامل فحسب، بل سيعود المستثمرون الأجانب إلى مصر التي ستكون بحاجة إلى مئات الآلاف من الوظائف الجديدة. وسيرى هؤلاء المستثمرون في اكتشاف الغاز الجديد ذريعة جيدة لإنشاء مصانع جديدة.

•لكن إلى جانب الأهمية الاقتصادية لاكتشاف الغاز بالنسبة للسوق المصرية بعد وقت قصير من مشروع توسيع قناة السويس، فإن هذه الاكتشافات تبث روحاً سياسية في نظام السيسي. ففي مصر ليس الغاز مادة للاستهلاك فقط، بل تحول في السنوات الأخيرة إلى رمز لفشل الحكومات المصرية في إدارة المسائل الاقتصادية. واحتلت مشكلات الانقطاع الدوري للكهرباء، والنقص الدائم في الغاز المعد للطهي والصناعة والسوق السوداء التي نشأت، حيزاً أساسياً من النقاش العام.

•لقد كانت معالجة سوق الغاز من بين الأسباب الأساسية للمطالبة بإحالة الرئيس السابق حسني مبارك الى المحاكمة. واستندت الدعوى ضده إلى الاتفاق العائد إلى سنة 2005 الذي باعت بموجبه مصر غازاً لإسرائيل بسعر 70 سنتاً مقابل مليون وحدة حرارية في الساعة، في وقت كان السعر العالمي فيه نحو 2.65 دولار، وفي حين كانت مصر نفسها تعاني نقصاً في الغاز. واعتبر إلغاء هذا الاتفاق سنة 2012 "سلوكاً وطنياً صحيحاً". لكن هذا القرار واجه صدمة عامة قبل عام، عندما أعلن وزير الطاقة المصري نيته شراء غاز من إسرائيل. ولكن تراجعت الانتقادات لهذا القرار في ضوء الأزمة الناتجة عن النقص في الغاز. ومن المحتمل أن التعاون العسكري بين إسرائيل ومصر في محاربة الإسلاميين في سيناء وتقارب المواقف من حركة "حماس"، ساهما في التخفيف من الانتقادات ضد شراء الغاز. لكن اليوم لم يعد السيسي مضطراً إلى تقديم أعذار محرجة لتبرير صفقة الغاز مع إسرائيل.

•اقتصادياً، وبعد مرور ثلاثة إلى أربعة أعوام، فإن اكتشاف الغاز لن يؤمن لمصر الاستقلال على صعيد الطاقة، إذ أنها تستورد كميات كبيرة من النفط من دول الخليج. وبرغم الهبات الكبيرة من النفط التي حصلت عليها من السعودية ومن اتحاد الإمارات، فإن مصر مدينة بأكثر من 3.5 مليارات دولار لشركات النفط وتأمل أن تتخلص من ديونها في نهاية 2016. كما أن الدولة المصرية تدين بالمال لشركة إيني ENI التي اكتشفت حقل الغاز وتطالب بـ30% من الأرباح. لكن مثلما هو الحال في إسرائيل، فإن تحقيق أرباح له أهمية سياسية، لكن الإنجاز الحقيقي في نظر الجمهور هو للحكم وليس لشركة التنقيب.

•من المحتمل أن يكون لاكتشاف حقل الغاز تأثير على الانتخابات البرلمانية الأولى منذ وصول السيسي إلى السلطة، والتي من المنتظر أن تجري على دورتين في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر المقبلين. وستستكمل هذه الانتخابات خريطة الطريق التي وضعها السيسي قبل سنتين، وهي ستؤمن لمصر هدوءاً سياسياً وتمنح النظام شرعية قانونية. وعندما تكون مصر غارقة في صراع دموي ضد تنظيمات الإرهاب ويتعرض الرئيس للانتقادات لأنه لم ينجح في كبح الهجمات اليومية، فليس هناك مثل بحر من الغاز يمكنه أن يعزز المؤيدين له في الانتخابات.